ما وراء السلطة والاعتقال… (نظرة في مذكرات حديثة مراد)
- Anas Ad
- 20 يونيو 2020
- 3 دقائق قراءة
تاريخ التحديث: 22 مارس 2022

مادة لـ أنس الأسعد
-1-
ملأى هي المكتبة السورية بمرويّات السجن وأخباره، هل تقول العبارة –هنا- أي جديد؟ لأعترف إذن: إني لا أملك طريقاً مختصرة لافتتاح النص غير هذا. أمّا استعراض محتوى المكتبة فيفيضُ إلى مستويات مرعبة، عناوين شتى وتجارب عن هول الجريمة، وفظاعتها. إذ لم يفصحِ السوريون عن نصوصهم السجينة مثلهم، إلا بعد 2011، إنْ حدث وتمّ إفصاحٌ من قبلُ، فليس له صدى يُذكَر أو تلقٍ محدود. بيد أنّ تلك الكتابات والنصوص تعود بجملتها إلى شخصيات معارضة، قدّمت لنا تجربتها النضالية خارج حرم السلطة، لنستطيعَ القول: إنّ وعيها السياسي وأدبياتها تَشكّلَت وفق ترسيمة: خارج السلطة_ داخل السجن. هذا رأسمال رمزي ما زال فاعلاً، رغم الرصيد الكبير الذي خسرته المعارضة.
-2-
كتابٌ/تجربةٌ، يبدو فريداً، لـ: حديثة مراد*، أو بالأدق تجربتان كما يقول عنوانه (تجربتان: سلطة واعتقال، كي لا يضيع جيل آخر)، يخرقُ تلك الترسيمة، ويحيلُنا إلى فضاء السلطة كلحظة زمنية سابقة على السجن. وهو شرط قلّما ينطبق، من بين كل الأجيال العمرية والتيارات الأيديولوجية للمعتقلين السوريين، إلا على مُنتمِيْ تيار البعث الديمقراطي، وبالتالي فإننا نبتعد بالضرورة عن تجارب الاعتقال لجيل الـ2011، قبل أن نعود إليهم بمقاربة لاحقة، سيرِدُ ذكرها آخر هذا النص. يحملُ الكتابُ/المذكراتُ طابعاً مختلفاً؛ إذ يتدرّج بنا عبر مقدمات متتالية زمنياً داخل السلطة “التي هو في بيتها” وصولاً إلى المآل التراجيدي، أي السجن. بالمقابل لا تصح اليومَ قراءةُ الواقع السياسي العام للمعارضة السورية مشفوعاً بالمقدمات التراجيدية، وأدب السجون جزء أساسي من هذه التراجيديا، لأن التراجيديا وحدها لا تبرّر كوارث الأداء السياسي.
يتميّز الكتاب أيضاً عن جملة تجارب أدب السجون، ليس فقط بانطباق المفارقة اللغوية لكلمة الدَّوْلة (الإدالةُ والغلبة)، أو موقع صاحب المذكرات في السلطة المنقلَب عليها، إنما بالمراجعة النقدية بين الكاتب وبين ذاته (القسم الأول، 87 صفحة)، إذ تعدُّ إضافة لا نجد تردداتها عند تجارب السجن المعارضة، الأكثر وثوقاً بنفسها وخياراتها، على اعتبار أنّ الذات لا تُمتَحَن أو تُساءَل بموضع تتعرض به للسحق ولا يسمح لها بالوجود أصلاً، وهذا صحيح لاشك فيه. أمّا القسم الثاني (88…247ص) فيعرض تجربة الاعتقال، التي دامت (ربع ساعة… ربع قرن) كما عنونه، بلغة أدبية متواضعة مقارنة بشعراء وفنانين عايشوا التجربة.
-3-
لكن أي التقاء يمكن أن نقيمَه بين تجارب جيلنا، وتجربة الكاتب؟ من هنا فإني لا أريد تشتيت الإجابة بعرضِ الكتاب عرضاً نمطياً، فصولاً، وعدد صفحات، وكأني أقرأُ عنكم.
بالعودة إلى العنوان الفرعي للكتاب (كي لا يضيع جيل آخر) سرعان ما يتبادر إلى الذهن أنّ هناك أجيالاً محددة معنيّة بالعبارة، هي الأجيال السورية التي اعتُقِلتْ أو ما زال شبح الاعتقال يتهدَّدُها لانتفاء حياة ديمقراطية تحصّنها من تكرار الجريمة بحقها. لا شكّ أن هذا المعنى دون غيره هو المقصود؛ كون الكتاب قد صدر عام 2003، ولا يخلو الأمر من بقايا تأثيرات لربيع دمشق. كما أنّ التيار الذي يمثله الكاتب انتظم بعد إزاحته عن السلطة بصفوف المعارضة السياسية لعقود أربعة، فوق هذا كله التجربة القاسية تدفع المرء لحمل أُمنِيةٍ ورديّةٍ بشكلٍ تلقائيٍّ تُجاهَ الأجيال اللاحقة.

Comments