top of page
صورة الكاتبAnas Ad

عَينٌ على السُّودان: حِوارٌ مع الكَاتب مَحمُود المُعتَصِم

تاريخ التحديث: ١٩ ديسمبر ٢٠٢٠


توطِئة:


إِشتعلَتِ

المظاهراتُ في جُمهوريَّة السُّودان، أواخرَ ديسمبر 2018، بدايةَ الأمر، كانت نقاطُ الاحتجاج أكثر التهاباً في مُدن الولايات، من عطبرة شمالاً إلى رَبك جنوباً، ولكنْ سرعانَ ما تلقَّفتِ العاصمة بمركزيَّتها السِّياسيّة والاقتصادية الأصداء، وبَلورتها في خطاب مُناهض للسلطة التي يقودها حزب المؤتمر الوطني ذو الخلفيّة الإسلاميّة أيديولوجيّاً، والحاكمُ البلادَ منذ الانقلابِ العسكري الذي قادهُ العميد – حينها ــ عُمَر البشير، مُطيحاً بحكومة الصَّادق المهدي، بما سيُعرَفُ لاحقاً بـ"ثورة الإنقاذ" حزيران/ يونيو 1989.


لكنّ السلطة التي دخلت عالم الثورية تشظَّت بعد عشر سنوات من الانقلاب، وتمايزت أطرافُها، ليُطْلَقَ في الأدبيات الدَّاخلية للجبهة القومية الإسلامية، على تلك المرحلة "أعوام المُفاصَلة" بين قُطبي الجبهة، المؤتمرين: الوطني والشَّعبي. استهوتْ أفكار المُنظّر الإسلامي الشهير حسن الترابي، الانقلابيين، لكنَّهم بعد سَنواتٍ عَشْر حيّدوه من ثمّ اعتقلوه مِراراً، قبل أن يقطعوا ردحاً من الزمن دونه، ثم ليعودوا إلى أنصاره من جديد، بعد وفاتِه في آذار/ مارس 2016، عبر بوابة الشَّراكة الحكومية بين الشّعبي (أنصار الترابي) والوطني (أنصار البشير) وهي الحكومة الأخيرة التي أسقطتها جموعُ السّودانيين في نيسان/ أبريل 2019، وَدَكَّتْ كلِا القيادتين في الزَّنازين.


احتضنَ سودانُ التّسعينيَّاتِ شخصياتٍ راديكاليَّة متناقضة من أمثال: كارلوس في أقصى اليسار، أو أسامة بن لادن في أقصى اليمين، لم تمرَّ الشخصيَّتان في الجغرافيا السُّودانية مروراً عابراً، لكنَّ مثلَ تلك المواقف غابتْ عن سودان الألفية الثالثة، ولم تعُد لتجذبَ الحكومة بعد انقضاء مرحلة الفتوّة الإنقاذيّة أوائل التسعينيات، والجنوح شيئاً فشيئاً نحو مشروع سياسيٍّ ريعيٍّ.


تابعتِ الجمهورية تشظيها، ولم تقوَ على لمّ شتاتِها حتى تستوعبَ أسماءً تضاعفُ الأعباءَ السِّياسية، ولمَّا تضعْ أطولُ الحروب الأهلية في أفريقيا أوزارها، التي كانت مُشتعِلة في جنوبيِّ السُّودان، إلَّا مع فصلٍ أخير انتهى باستفتاء لتقرير المصير كانت نتيجتُه ولادةََ دولة جنوبِ السُّودان تموز/ يوليو 2011، والانفصالَ التامَّ بين الخرطوم وجوبا.


لم يكتبِ الانفصالُ المشهد الأخير في رواية الاقتتال الأهلي، كما كان يؤمِّلُ مناصروه في الجنوب، فالحرب شمالاً ظلّت مستعرة في أقاليم أخرى غير الجنوب، أبرزها: إقليم دارفور غربيّ البلاد، وإقليم جنوبي كردفان (الحركة الشعبية شمال ــ فرع عبدالعزيزالحلو)، أمّا الجار الجنوبي الجديد فانشغلَ بحرب أهلية، وقودُها الأَعراقُ، والتّركةُ السّياسية الحَرِجَة، لــ(زعيم الحركة الشعبية جنوب) جون غرنق الذي مات بحادث تحطُّم طائرة غامض عام 2005، أُعِدَّتْ لخليفَتيه الهَزِيلَي الحضورِ والقيادة، سالفا كير ميارديت، ورياك مشار.


تحوَّلتِ الحرب، مع الوقت، إلى رافعة لظهور قوى جديدة في الشّمال اتَّخذتها الحكومة المركزية في بداية الأمر، يداً ضاربة ضد الأطراف، وضدَّ الجغرافيا المُنقطِعة التي يعسُر على الجيش النظامي اقتحامها، هذه القوى وبشيء من المَكْر ستواصل العَومَ على وجه السَّاحة السِّياسية، حتّى تجدَ لنفسها موطئ قدمٍ بديلٍ اليوم، عن سلطة قديمة رَعَتْها أمس!


عليه، صار يترّددُ اسم "قوَّات الدَّعم السَّريع" في أروقة السياسة، فمن ملعب الحروب المحلية إلى ملعب الحرب الإقليمية ــ الخليجيّة ضد اليمن وشعبه، وصولاً إلى قمع الجمهور في مجزرة القيادة العامة في قلب العاصمة الخرطوم (3 - يونيو - 2019)، ومحاولات بسط النفوذ على المجلس السّيادي الذي يحكم البلاد اليوم، وليس انتهاءً بالسّعي لمَحوَرةِ البلاد في السياسة الرّامية لوأد التطلعات الشعبية الديمقراطية، والانتظام بالنهج التَّطبيعي الإماراتو-إسرائيلي.


هذا كان حال القوى السِّياسية الحاكمة، مقابلَ ذلك، لم يكن واقع القوى السودانية المُعارِضة أفضل من حيث التَّنظيم والنّهوض بالواقع السِّياسي، إلا بعد تفجّر المظاهرات أواخر 2018 في عموم البلاد، التي راح ضحيتها الآلافُ من الشهداء والمُغيَّبين في عدة مجازر، ومع بناء جسم ائتلافيّ جديد اتَّخذ لنفسه اسم قوى الحرية والتغيير/ قحت، لنراهُ يقود البلاد اليوم، بوصفه مكوّناً مدنياً في المجلس السّيادي.

لكن هذا التجمع يعيش الآن أزمته الداخلية أو "المُفاصَلة" إنما على طريقته الخاصة؛ نَظَراً للفوارق السّياسية التي تعصفُ بين الأحزاب السودانية: الشيوعي والأمّة والاتحادي والمؤتمر السُّوداني... الخ، وبين عدد من القوى النّقابية الجديدة مثل "تجمّع المهنيين السودانيين"، ولجان مقاومات الأحياء، كل هذه القوى والأحزاب لا يبدو أنّها تعيش أيام الوئام والشعارات التي سادت قُبيل أو/ وبعيد الإطاحة بحكم عمر البشير في أبريل 2019.

فما الطريقة التي يُمكن أن نقرأَ بها الواقع السوداني الرَّاهن؟ وأيّ المفاتيح ستساعدُنا في فكفكة هكذا خريطة؟

 

تستضيفُ

صحيفة المُتَلَمّس، محمود المُعتصِم: طبيب سوداني، من مواليد الخرطوم 1990، يُقيم حاليّاً في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وهو مُسَاهِم يساريّ في دعم لجان مقاومات الأحياء إبّان الثورة، تنصَبُّ كتاباتُه على نقد الفكر الحداثي والإسلام السّياسي والتجديد في النظرية وأشكال التنظيم. وذلك استقراءً من المُتَلَمِّس لموقع الثَّورة السُّودانية، في التاريخ الوطني المحلي خاصّة، والأفروعربي عامّة. يُحدّثنا المُعتَصِم من داخل بيت الثورة الاجتماعي، عن رؤيتِه لواقع الصِّراع في الجمهورية، وعليها، وعن أشباح الانقلابات العسكرية التي تتهدّدُ مسارَ التَّغيير والمرحلة الانتقالية.


1. عاشَ السودان ثورتين في تاريخه المعاصر بعد الاستقلال، أكتوبر 1965 ضد الجنرال إبراهيم عبّود (نهاية الديكتاتورية الأولى وبداية الديمقراطية الثانية)، ثم أبريل 1985 ضد الجنرال جعفر نميري (نهاية الديكتاتورية الثانية وبداية الديمقراطية الثالثة)... ماذا عن هذه الأيام التي تشهدها الجمهورية من ديسمبر 2018 إلى حين يقرأُ القارئُ هذه السطور، كيف يُمكن وصفُ أثرها في رسم صورة الكيان السّوداني؟ وهل يجوزُ الحديثُ عن مراحلَ كُبرى وتمفصلات دقيقة، عن نجاح وفشل، نقد وأخطاء، خلال هاتين السَّنتين؟


أعتقدُ

أنَّ ما جرى خلال العامين كان تلقائيَّاً بصورة تكاد تكون مُمِلَّة. فليس هنالك دروسٌ. ما كُنا نعرفه يوم الثلاثين من يونيو 2019 هو نفسه ما نشاهده الآن. لذلك سأبدأ من نقطة أخرى.


ذكرتم في المقدمة استضافة السُّودان لشخصين "راديكاليين"، أحدهما كارلوس الشخص ذو التاريخ الشائك يمكنكَ أن تعتبره مناضلاً يسارياً متطرفاً، والآخر هو أسامة بن لادن، الإرهابي اليميني المتطرف. أودُّ هنا أن أدلف إلى شرح فكرة أن المشكلة في السياسة السودانية هي مشكلة "شكلية" مشكلة في شكل الممارسة السياسية وليس مضمونها، وهو الأمر الذي ظهر قبل وبعد الثورة.


استضاف السودان مناضلين آخرين في الفترة بعد الاستعمار، كلاهما بدأ حياته السياسية مناضلاً ضد الاستعمار، وكلاهما قتلتهما الحكومة المحلية في طورين من وجودها، طورها العلماني والآخر الديني. المناضلان اللذان، وأنا أصر على الكلمة، "استضافهما"، السودان هما: محمود محمد طه، المحرّر الراديكالي الديني، القائد الروحي التقدمي، مؤسس "الحزب الجمهوري وزعيمه"، والمناضل الشيوعي عبد الخالق محجوب. وكلاهما ليسا "مثقفَين" أو "أفراد"، فتحتَ كلٍّ منهما نمَت حركة اجتماعية راديكالية، حركة مرتبطة بصورة عضوية بجماهير وقاعدة ولها قدرة فعل: في حالة عبد الخالق كان الارتباط مادياً على الطريقة الماركسية مع مزارعي الجزيرة وحلقات الموظفين الصغار، وعمال السكة حديد في عطبرة، وفي حالة محمود محمد طه كان الارتباطُ عضوياً بدخوله على منظومة الأفكار الدينية السائدة وتحقيقه اختراقاً ولو كان سلبياً، بحيث لم يوجد بيتٌ سوداني إلا ونوقشت فيه أفكار "الأستاذ" كما يسميه تلاميذه.


أُصرُّ على أن "شكل" السياسة الذي مثله محمود محمد طه وعبد الخالق محجوب، كان "ضيفاً" على السودان. فهو شكل غير الشكل الذي تخلقه التلقائية. كلاهما قادم بأفكار "مضادة" صعبة التحقق وصعب العمل بها، ووسيلة مواجهة هذه الصعوبة في الحالتين كانت: العمل الرصين، التقيد بالمبادئ لدرجة الطهرانية (فرض عبد الخالق على متفرغ الحزب الشيوعي مرتباً مساوياً لمرتب أقل عامل في السودان، وكانت الجلسات الروحية والصيام الكثير والتأمل ديدنَ محمود وأتباعه)، التنظيم الدقيق، العمل الدؤوب البطيء، تجويد الإيمان بالمشروع عبر عمليات مراجعة ثقافية مستمرة، تحمُّل مشاق النضال بلا تحول إلى يأس أو جزع.


في الحالتين كان النجاح النسبي مرافقا للمشروعين. نجاح يفوق، بالتأكيد الأحزاب الطَّائفية والدينية التقليدية، التي كانت هاتان الحركات تأكل من قواعدها يومياً في منحى تصاعدي جلب لها وسيلة دولة ما بعد الإستعمار المعروفة: العنف. في حالة الحزب الشيوعي تم قتل كل قيادة الصف الأول في الحزب وفرض العمل السري على بقية العضوية لسنوات طويلة (العقاب هنا كان بنفس منهج التنظيم، مادياً)، وفي حالة الحزب الجمهوري تم إعدام الأستاذ 1985 وإذلال أتباعه على الهواء مباشرة حتى يُعلنوا "التوبة" (العقوبة هنا كانت حسب منهج التنظيم، روحية).


ذلك شكل آخر للسياسة، كان "ضيفاً" راديكاليا على السودان: لا يمكن فهم الواقع الحالي إلا بمقابلة هذا الشكل مع الشكل الحالي الذي أصفه أنا بالتلقائي. ما تفرضه حالة دولة ما بعد الإستعمار، على الدولة والكادر والمجتمع، هو حالة من التبعية على مستوى التفكير تجلب كل ما يليها. إذا كنت مقتنعاً أنه ليس هنالك أي شيء ممكن لحل المسألة الإقتصادية غير الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية واتباع مناهج الاقتصاد النيوليبرالي (يقول وزير المالية ذو التدريب والمزاج الغربي إبراهيم البدوي في لقاء مفصل رصين بعد إقالته بأنه ليس هنالك واقعياً أي سبيل غير الدخول في المجتمع الدولي المالي والإقتصادي وعلى شروطه، ما يقوله البدوي ليس أن ذلك ضرورة مرحلة، لا، بالنسبة للبدوي فتلك حقيقة تكاد تكون وجودية دينية، فمثلما 2+2=4، بالنسبة للبدوي الحل هو النجاح بشروط المجتمع الدولي بشكله الحالي)، وإذا كنت لا ترى سبيلاً لمواجهة قوة الأمر الواقع إلا بالرضوخ لها، وإذا كنت لا ترى سبيلاً لممارسة السياسة إلا بصفتها لعبة قذرة، إذا كنت باختصار تلتزم بالشكل التلقائي للسياسة، الشكل الذي هو وسيلة المستعمِر أو القوي لإخضاع الضعيف، فأنت ستقوم بممارسة مشاغبة، متعجلة، غير مبدئية، خاضعة للأجنبي، ومتنازلة للقوي عن كرامتها. محصلة المُمارسة التلقائية كانت ابتعاد قوى الحرية والتغيير عن المجتمع بسرعة قياسية. فالناس في العادة لا يتبعون المراوغ والفاسد. وتدمير نقاط القوة التي كانوا يعتمدون عليها بسبب خلافات صغيرة، مثل تجمع المهنيين وهو تحالف نقابي قامت الثورة على هدي قيادته، وستقوم بصورة يائسة بقبول كونك مسؤولاً، وترضخ لضغط شخص مثل ترمب وتقوم بالتطبيع مع اسرائيل، أو أن تقوم ببيع الأرض للإماراتيين والروس.

أكثر من ذلك: من ضمن التلقائية في دولة ما بعد الإستعمار، هو أن تُعامِلَ الدَّولة المواطنَ بصفته خطراً يجب السيطرة عليه، وبالتالي تقمعه. تكاد ترى النخبة الحاكمة تتحرق شوقاً لتكوّن "التبرير" الذي يسمح لها باعتقال وإسكات المعارضين. هذا وهي كسلطة ما زالت طفلاً يحبو. فتم بذلك اعتقال الشاب معمر موسى لشهور طويلة لأنه وجدت السلطة "تبريراً" ما لاعتقاله السياسي من وجهة نظرها. وهي ستجد التبرير لاعتقال الآخرين عاجلاً أم آجلاً.


لكنَّ ذلك ليس كل شيء. إذا استعرنا تعبيرات آلان باديو: ليس هنالك إلا الأجساد واللغات، إلا أنه هنالك الحقيقة. فإن الجزء الأول يشير للشكل التلقائي. إلا أن "الضيوف" هنالك سبب لقدومهم، وذلك السبب هو الحقيقة.


يمكننا أن نبدأ من لجان المقاومة. تكوَّنت في الثورة عدد كبير من اللجان التي عملت على إسقاط النظام عبر نظام محكم من "حرب الشوارع السلمية"، فأهم ما ميز اللجان كان "كثرة عددها" وتوزُّعها الجغرافي على مساحة كبيرة. إلا أنها تعمل بتكتيك واحد: قم بإغلاق الشارع أو التظاهر في منطقتك متى ما استطعت. هذه الحالة من حرب الشوارع لعبت في صالح المقاومة، فالعدد الكبير يقلل المجهود، ويمكن من المواصلة لفترة طويلة. في المقابل فإن جهاز الدولة لم يقدر على الصمود لمدة ستة أشهر لأنه قوة محدودة. الآن: كيف يمكن لقوى الحرية والتغيير استيعاب هذا "العدد الكبير" في شكل السياسة التقليدية؟ ماحدث هو أن النظام الفاسد للسياسة خلق بصورة تلقائية شرخاً كبيراً بين القيادة واللجان، وباتت اللجان تنظر شزراً للقيادة، وتلومها على أخطاء عديدة. هذا أمر ينذر بانفجار جديد، فالثورات تقوم على عملية الاستيعاب الديمقراطي لطاقاتها حتى لا تنقلب تلك الطاقات ضدها. لكن شكل السياسة التقليدي لا يمكنه فعل ذلك. هنا نرى الواقع كحقيقة يطلب، ويرغب في استعادة، الضيوف السابقين.


هنالك كذلك القبيلة. خرجت الجموع في مناطق طرفية عديدة مرة بالعنف ضد بعضها كما في الشرق، بسبب غياب آلية الحل المبدئي العادل في قضاياها المادية، ومرة في الشرق كذلك تندد بالحكومة لأنها منحت سلطة أكبر لقبيلة أو جهوية على جهوية أخرى.

إنَّ منظومة السياسة التقليدية التي يمكننا أن نجملها في محاور الانتهازية/الارتهان للخارج/الركون للواقع العالمي كحقيقة مطلقة، هذه السياسة هي في تناقض كامل مع محاور المشروع المحلي القائم على المبدئية التي تلطف الصراع في شكل مواثيق/الاستقلال وعدم إدخال الأجنبي في الصراع المحلي/فتح أفق التفكير في حل مستقل للمشكلة يجبر العالم على التغير ولو قليلاً.


وهنالك مسألة السلام. السياسة التقليدية هي في المحصلة سياسة غير ديمقراطية. فالانتهازية والرغبة في السلطة لا تستقيم مع الديمقراطية، الديمقراطية تنزع السلطة ولا تعطيها. هذا جعل الأطراف المختلفة وبتنويعات متعددة يحاولون حل مسألة السلام بصورة غير ديمقراطية، فستجد في اتفاق السلام بنودا موقعة بين أطراف غير منتخبة يفترض لها أن تحكم الحكومة المنتخبة القادمة، وستجد مؤتمراً دستورياً تأسيسياً يتم إنشاؤه على أساس المحاصصة والدعوة الموجهة إلخ. إن المنغمسين في الشكل التلقائي للسياسة يكادون يعبدون هذا النوع من التفاهمات الفوقية، بحيث يصيبهم عمى عن حقيقة بسيطة قائلة أنه لا سلام بلا عدالة، ولا عدالة بلا فرض حقيقة "صوت واحد لكل مواطن واحد". فإذا ما أُسكِت قائدٌ عسكريٌّ بمنحه سلطة كبيرة عبر إتفاقية سلام، فما الذي يضمن ألا يركز هذا القائد الثروة في يده ويثير بالتالي نزعات الحرب ضده (هذا بالتحديد حدث في جنوب السودان الذي يحكمه فصيل الحركة الشعبية الجنوبي بمشروع السودان الجديد الذي نبشّر به نحن الآن). أعتقد أن السودان سيعيد استضافة المشاريع الراديكالية. فالجو مهيَّأٌ لها. وهنالك أجسام راديكالية شكلاً وموضوعاً مثل لجان المقاومة، وحقائق لا يمكن حلها بشكل السياسة التلقائي. وعندما نفعل ذلك فسنجد أننا نقف على تاريخ مهم، واستراتيجياً فإنَّ تجربتَي عبد الخالق/محمود هما رأس المال الحقيقي لهذه الأمة.

2. تبنّى النّظامُ السَّابق أيديولوجيا ثوريّة إسلاميّة عن نفسه، واحتكمَ إلى عُدّة نظرية وقيادة تنظيمية، ورغم كلِّ الانشقاقات التي عصفت به ظلَّ يبدو قويّاً متماسكاً، حتّى عندما كان يتعرّض لهجومات عسكرية، كما حدث عام 2008 لَمّا هوجمت أم درمان من طرف حركة العدل والمساواة، أو خلال انتفاضة عام 2013، تأثُّراً بما عُرِف ب"الربيع العربي"، ما الذي جعل تظاهرات 2018 السِّلميَّة تمتدّ وتقوى وصولاً إلى مشهد شارع القيادة في أبريل 2019، من ثمَّ الإطاحة برأس السلطة الرئيس السابق عمر البشير الذي أُودِعَ سجن كوبر- بحري؟


من حُسن حظّ السّودانيين هو أننا دولة معقَّدة تصعب إدارتها، ويسهل التمرد عليها. هنالك دول تعطَّلت فيها "العملية السياسية" تماماً، مثل دول الخليج. فهنالك تجد حكوماتٍ مدعومة بصورة استثنائية من الغرب، قامت على عملية سياسية قصيرة مثل السعودية وسرعان ما استتبَّ الأمر للسلطة بقوة الاقتصاد والأمن، بحيث يمكن إلغاء العملية السياسية بالكامل. وستجد أن المعارضة في هذه الدول تأخذ شكل العنف العشوائي، متى وجدت، لأنه ليس هنالك مساحة لأيِّ سياسة. في المقابل فإن دولاً مثل السودان ولبنان وأثيوبيا وغيرها هي دول لم يتسنَّ فيها للسلطة إنجاز المشروع التسلطي لنهايته. فستجد أن السلطة دائما في حالة "حوار/تفاوض/تحالف" إلخ تغيّره بين الفينة والأخرى. وهنالك طبعاً الحرب الأهلية، وهي عنف موجَّه مقنَّن له اسم وأيديولوجيا وليس عنفاً عشوائيا (لم تقم أي حركة مسلحة بتفجير في الخرطوم مثلا).


لذلك فإنَّه رغم محاولة الإنقاذ في البداية، وتحت تبرير الحرب، في القمع الكامل بالتعذيب وغيره، إلا أنه بقيت هنالك جيوب للسياسة مفتوحة، وفي بداية الألفية فاز التحالف المعارض بانتخابات اتحاد جامعة الخرطوم، وكان الصراع بين المحاميين الموالين والمعارضين مستمراً، وظهر حراك للأطباء أدى لشلل النظام الصحي لفترات. ثم هنالك احتياج الحكومة لاتفاقية السلام مع جون قرنق في العُشرية الأولى من الألفية، وذلك فتح مجالَ الصراع السياسي بصورة كثيفة.


أنا هنا أتبنى تحليل أستاذي عبد الله علي إبراهيم، الذي وصف حالة المجتمع السوداني "بالأزمة الثورية" منذ فترة طويلة، و الأزمة الثورية في التحليل الماركسي هي حالة ضعف الدولة (الطبقة المهيمنة على الدولة) عن تحقيق الانتصار الكامل على خصومها، بسبب الاضطراب الاقتصادي والسياسي وفشل مبررات وجودها مثل التنمية وتحقيق الاكتفاء. وكذلك وصفه لحالة الصراع بأنه "إرهاق خلَّاق" في مقالة له نشرت بعد عام فقط من تكون الإنقاذ أي في 1990. فهي بالتالي وُلِدَت مرهقةً، تحاصرها الحرب والمجتمع الدولي والفشل المتلاحق الذي ورثته.


أما سبب أنها بقيت حتى 2018، فهو أن "الإرهاق" هو كذلك صفة المعارضة. فلم تتمتع حكومة بمعارضة عاجزة مثلما حدث للإنقاذ. معارضة أَنهكَ يسارَها ضربُ نميري للحزب الشيوعي، وأنهك يمينَها انغماسُ الحركة الاسلامية وتورطُها في استراتيجية الانقلاب، وفقدت بوصلتها الثقافية بصورة كاملة. فستجد مثلا أن الحدث الثاني من حيث الأهمية في المجال الثقافوسياسي في التسعينات (الحدث الأهم هو تكوُّن مدرسة التحليل الثقافي عبر أبكر آدم أسماعيل) هو حدث إعلان الخاتم عدلان وهو من القادة الشيوعيين المعروفين "موت السرديات الكبرى". وبالتأكيد فليس للطائفيين سرديات كبرى، وسردية الإسلامية الكبرى كانت في جُحر ضبّ. أمّا الآن أنت أمام مجتمع لا يرى عبر أي سردية كبرى، مجتمع سياسي موغل في البلاهة الجماعية وينتج خطابا يناسب فكرة "موت السرديات الكبرى" ويتصارع في داخله على الصغائر.


ما حدث في ثورة ديسمبر 2018 هو أن إنهاك الفقر، والمرض، والذل. قام بإعادة استلهام السردية الكبرى، بصورة أُسطورية، أعتقد أنها ستكون ملهمة لأجيال كثيرة ستأتي وفي أماكن كثيرة من العالم. فالسردية الكبرى، في ثورة ديسمبر، حدثت كاعتراض شعبي، كتفجُّر ديمقراطي خارج النُّخَب: إذا قارنَّا حالة السِّلمية التي قرَّرها السُّودانيون بصورة شعبيّة جماعيّة والتزموها لمدة ستَّة شهور (حتى إحراق دار المؤتمر الوطني في بداية الثورة تمّ بعد إخلاء المبنى من الناس، لا تقومُ الحشودُ الغاضبة بالضرورة بمثل هذه الإجراءات)، إذا قارنّاها بالحالة الهندية، ما أسماه غاندي "الساتياغراها" وهي تعني عقيدة التمسك الحازم بالحقيقة. وهي العقيدة التي قام معلم روحي عظيم بنشرها على الشعب. فستجد أن السودانيين كانوا شعبا غانديا بلا غاندي القائد. وهذا الشعب يحيط به السلاح من كل جانب، وليستِ الحربُ غريبةً عليه. إلا أنّه تكونتْ سردية كبرى ما، سلبت لُبَّ الناس ونظروا إليها كحقيقة.


غير عقيدة السلمية، فمعاداة الإنقاذ الطويلة لقطاعات الفقراء وصغار الموظفين المختلفة آتت أكلها، فبعد سنين من فقد الناس للثقة في النقابات أو أي شكل آخر من التنظيم الجماعي (خاصة مع تغلغل ثقافة الفردانية الليبرالية) أعادت الإنقاذ رغبة الناس للعمل الجماعي. وأنتج هذا عملية التنظيم النقابي المقاوم، وعدد من محاولات العصيان المدني وأطول إضراب للأطباء في التاريخ ربما، ولجان المقاومة التي هي تنظيم المدينة، تنظيم الكادحين الذين لا مهن ثابتة أو نقابة لهم. وهذا التحالف (النقابات، ولجان المقاومة) هو قوة ضاربة، سقطت الإنقاذ بحوالي ال10% من القوة الكلية الممكنة له في رأيي. لذلك ستكون دوائر المخابرات في الإمارات وبقية الراغبين في حكم السودان من الخارج تعمل جيداً لتدمير هذه التجربة، وإلّا فهي دوائر مخابرات فاشلة.


3. خربَطَ انقلابُ الإسلاميين العسكري عام 1989، وإطاحتهم بحكومة إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة الصادق المهدي، التي اعتُبرت ديمقراطية آن ذاك، الرؤيا عند قوى مختلفة من المثقفين السُّودانيين، لكن مقولة الطيب صالح "من أينَ جاءَ هؤلاء؟" كانت الأكثر شَواشاً وثقافوية إن صحّ التعبير، سبقَ لك أن فنّدتَ مدى تهافت تلك المقولة التي تستغفلُ نفسَها بنفسِها، هل لك أن تحيلَنا إلى ما حجبَه شيوعُ تلك المقولة حينها من تحليلات صدرت وعايشت ذلك الحدث؟


وصف عبد الله علي إبراهيم، في لقاءٍ لهُ مؤخّراً، حالة غياب الثقافة بـ"العوة". وهي تعني الجَلَبة. أسميها أنا الهرجلة. وتعني في العربية الشيء إذا اختلط، أو الرَّجُل إذا مشى فاختلط مشيه. فالثقافة ليست في الحقيقة في تجميع المعلومات، أو حتى قراءة الكتب. تلك وسائل الثقافة. أما الثقافة في ذاتها هي في الانتظام، أن تذهب من النقطة ألف إلى النقطة باء عبر خط مستقيم هو المنطق. والثقافة في تبدِّيها هي من ثََقفَ الشيء أي جعله حاداً. فهي وسيلة الإنسان لامتلاك قوة. فتنظيم التفيكر وترتيبه والصبر على مشاق هذا الأمر، وعدم الاندفاع للتخبُّط، تجعل من الواحد منا قوياً.


تظهر حالة "العوة" في المعارضة السودانية في الذهاب من أ. الأدب إلى ب. العلم السياسي، عبر لحظة هرجلة سريعة ممتعة. فستجد مثلا من يحاجج ضد المساومة السياسية بشعر أمل دنقل: لا تساوم إلخ من البيت السمج. أو من يقرأ كلمة أدبية للطيب صالح على أنها عمل اجتماع أو تحليل ماركسي. الطيب صالح بالتأكيد هو أحد الآباء المؤسسين للأمة السودانية وسيظل كذلك، فلم ولن يأخذنا أحد في رحلة الخلاص الرُّوحية من "تروما" الاستعمار مثل الطيب. وهو عندنا يقول "من أين أتى هؤلاء؟" فهو يعنيها في مستوى أدبي روحي، فيصحُّ مثلاً أن تسألَ "من أين أتت كوندوليزا رايس و ديك شيني وبقية قتلة الأمم إرهابيو الجشع غير العقلاني للنظام الحالي؟" ولكنَّ ذلك لن يعنيَ بأيّ حال أنني أعرف جيداً من أي جاءت هذه الشخصيات.


فاعتراض الطيب صالح على الإنقاذ، كنظام مستبد هو اعتراض حقيقي ووجودي، يمكن أن نحلله في إطاره، فنرى فيه رفضاً مضاعفاً للواقع: يحتجُّ الطيب صالح على القدَر نفسه الذي يجعل بحتمياته المادية شيئا كالإنقاذ ممكناً. أما تلقف المعارضة للكلمة واعتبارها بديلاً عن التحليل السياسي الإجتماعي فهو أمر يدفعون ثمنه الآن.


المعارضة السُّودانية، واليسارية تحديداً، رفضت بصورة تكاد تكون جنونية، عملية تحليل الظاهرة الإجتماعية الإسلامية بصفتها ظاهرة تخصنا. ظاهرة أصيلة لها أسباب، وبعضها أسباب لها وجاهة، بل ويجعلها في مكان الظاهرة التقدمية. وقررت المعارضة أن تعتبر أن الإسلاميين هم ورم سرطاني غير مفهوم، وبالتأكيد فهنالك احتقار ضمني للشعب السوداني، فإذا علمنا أنه كان للإسلاميين قوة ديمقراطية لا بأس بها في آخر انتخابات قبل انقلاب الإنقاذ فيصح السؤال: كيف يصوِّتُ السودانيون بكثافة لمجرد ورم سرطاني غير مفهوم؟ إلا إن كان شعباً أبلهاً، تقوده عاطفة دينية عمياء طفولية؟

الشخص الذي اشتبك مع الظاهرة الإسلامية وحللها بعلم الإجتماع، وتحديدا عبر مفردات واستبصارات نظرية ما بعد الإستعمار وخاصة فرانز فانون، هو عبد الله علي ابراهيم، مرة أخرى، في كتابه الشريعة والحداثة.


بصورة عامة وحتى لا أطيل، فإنني في المسألة الدينية أهتدي بفكرة مارتن هايدغر بأن الشجرة تنمو عبر جذورها وفي أرضها. فالفلسفة ليست مطلقة بمعنى أنها متشابهة، والحداثة ليست مطلقة لأنها هي نفسها في كل مكان. بل السياسة والحداثة والفلسفة يحكمهم مطلق يظهر هو نفسه في تربات وعبر جذور مختلفة، وبتمظهرات مختلفة، أصيلة. فالكراهية العميقة للدين والإسلام السياسي لم تكن أبداً فكرة تقدمية، بل هي فكرة رجعية تقول بمركزية متخيلة لنمط التحديث الغربي الذي يعتبر فعلاً الإسلام السياسي "دخيلاً" و "شاذاً" عليه.


أما الهزيمة الحقيقية للإسلام السياسي فهي في الدخول في مواجهة معه على الأصالة نفسها، هل يستطيع الإسلام السياسي تحقيق المقدرات الكامنة في الجذر والتربة فعلا؟ أم إنه شجرة كاذبة، كذبة "الحداثة البديلة" التي هي رأسمالية في زي إسلامي؟ كان عبد الخالق محجوب قد رأى سابقاً أنه في الإسلام، وهو العقيدة والثقافة الأصيلة لقطاع كبير من السودانيين، يوتوبيا ما، ترهف لها أفئدة الناس. ما يجب فعله هو الدخول في صراع جدي وعلى مبدأ الاحترام مع هذه اليوتوبيا (عدالة عمر، موقف أبوذر الغفاري المعروف من السوق إلخ) بحيث نُخرِج من هذا الجذر وهذه التربة عقلاً مستقلاً معتزاً بنفسه قادراً على تخيُّل عالم آخر والعمل له، بل الصَّلاة في محرابه.

4. تحدّثَ لينين ذات مرّة عن ظاهرة أسماها "إطراء ماركس" من أشخاص وتيارات سياسيّة تُدبّج عباراتها بمقولات لماركس وتكيلُ له المديح وهي في حقيقة موقعها السّياسي تخالفُه وتنفيه، وَعَتْ ذلك أم لم تعِ، وهذه ظاهرة شائعة في السّرديات الكبرى، إسلاميون يتهمون إسلاميين "بأنّهم لا يمثلون الإسلام".


أ. على الصعيد المحلي السوداني هل هناك ما يعادل هذه الظاهرة؟ مثلاً: يسار عربي "يُطري الشيوعي السوداني" طالما هو موجود هناك في السودان، ذلك البلد الجميل الرائع!

ب. هل تجد في الواقع ما يُعزّز هذه النظرة حول أسبقية طروحات الشيوعي السوداني مقارنةً بأترابِه من أحزاب وحركات شيوعية عربية؟ أَوَلمْ تستطعْ بلدانٌ عربية تعزيزَ واقعٍ فيه قِسْطٌ من الحريّة السِّياسية والشَّخصية فشلَ السودان في انتزاعها؟

ج. كيف تنظر إلى إرث لينين في الفكر والتنظيم؟ وإلى أي مدى تعتبر نفسك لينينيّاً؟


أ . أنا لا أتوقع أيَّ انخراط جدي مع السودان من خارجه حالياً. لأنه بلد غير موجود من منظور الإمبراطورية. عليك ألا تستهين بقوانين الهياكل، عندما تصنفك الامبراطورية على أنك هامشي فحتى لو قمت بثورة منظمة لمدة ستة شهور بصورة بطولية فإنه لا أحد سيهتم. وحتى لو كنت استراتيجيا وبأي تصور عقلاني تمثل مدخلا محتملا لزعازع طويلة في دول تعتبرها الإمارات والسعودية مثلا دولا مهمة مثل ليبيا، أو لو كنت نقطة دخول ممكنة لهم للسوق الأفريقي، فإنهم لن يسعوا سوى إلى الهيمنة عليك بدل الاستثمار في دولة قوية مستقلة. وسيستمرون في التعامل معك بالتالي على أنك مازلت متسولا. والمثقف العربي يتوقع منه يرى ما تراه الإمبراطورية في الغالب. وعلامة الانخراط غير الجاد هي الإعجاب المبالغ فيه بشيء لا تعرفه. فهنالك طبعا ظاهرة الغريب الرائع التي تحاول وصفها. لكن لأكون صادقا معك، توقفت لفترة طويلة في التفكير في كيف يرانا العرب، أنا مثلا لا أقرأ ما يُكتب في المجلات العربية عن السودان، ولا أشاهد أي قنوات عربية ولا حتى الجزيرة التي نشأنا على مشاهدتها. لكنني قارئٌ راتب ومهتم بالصديق عامر محسن. يمكنك الآن أن تلاحظ أن عامر ليس جزءاً طبيعيا في ما نسميه الكتابة العربية أو المثقف العربي. لكنني أرى أن عامر هو الممثل الفعلي لشيء حقيقي. ستلاخظ أنني ربما ورغما عني أنفذ نصيحة آلان باديو "يجب أن يعيش الثوري في زمن غير الزمن الفعلي"، لا أشعر بالغبطة من هذا الأمر فهو يولد دائما شعوراً غريباً بالعزلة أو الوحدة. لأعود لسؤالك فأنا لا أدري كيف تحديداً يرى الكتاب اليساريون العرب السودان. لكنني سأقول أنني أرى أن السودان بلد مثير للاهتمام فعلاً، مثلاً إن كان للمشروع اليساري الإشتراكي العربي رغبة في إعادة بعث نفسه فعليه أن يدرس تجربة لجان المقاومة.


ب . بالنسبة للحزب الشيوعي فعلينا أن نُفرّق، إن أردْنا الحديث بجدية، في تاريخ الحزب الشيوعي بين ثلاث مراحل:

1. مرحلة حركة التحرر من الإستعمار "حستو"

2. مرحلة الحزب الشيوعي حتى انقلاب هاشم العطا وما تلاه من أحداث في 1972

3. ومرحلة الحزب الشيوعي الحالي.


حتى المرحلة الأخيرة يمكنُ التفريق فيها بين، أ. مرحلة محمد إبراهيم نُقُد: رائد الحفاظ على الشكل التنظيمي الصارم للحزب، وهي مرحلة الخطأ الاستراتيجي، ب. المرحلة بعد وفاة نُقد 2012: التي هي مرحلة ظهور نتائج سنين من الاستراتيجية الخاطئة في شكل تحلل شبه كامل للحزب، يمكنك أن ترى شكل اللغة التي بات يكتب بها الحزب رسميا حتى تتخيل حجم البلبلة التنظيمية وغياب المؤسسة حتى في لغة تخاطبها مع الجمهور وهذه اللغة الركيكة هي شيء بالقطع جديد حتى على الحزب في فترة نقد). دعنا أولاً لا ننسى الفترة الحالية، أنا أزعم أن قناعة الخاتم عدلان بموت السرديات الكبرى (ومنها الماركسية) هي قناعة كلّ الحزب حالياً وهو متمسك بالاسم كمجرد واجهة فقط.


أما المرحلة المهمة فهي مرحلة عبد الخالق محجوب. ويمكنني هنا أن أشير لعدد من كتب عبد الله علي إبراهيم، ربما أهمها هو أصيل الماركسية: النهضة والمقاومة في ممارسة الحزب الشيوعي السوداني، للإطلاع عليها. فعبد الله علي ابراهيم مؤرخ ناقد، مؤرخ مفكر، تستطيع عبره مثلا أن ترى تاريخ الحزب الشيوعي من ناحية الممارسة والفكرة والصعوبة في التفاصيل الصغيرة التي هي كل ما يهمنا كشباب ناشئ، مثلا سيناقش عبدالله علي إبراهيم حادثة انتحار الشاعر شيبون (1930- 1961) بصفتها واحدة من سلسلة دراما التجربة الشيوعية في السودان، لكنك لن تجد ذلك في التاريخ الرسمي للحزب. ولحظة فهم العلاقة بين الفعل والتحليل "وخطورة الأمر على الفرد، يهدده بالانتحار" هي لحظة الإلمام بحقيقة الأمر الجدلية، لا التثقيف الميكانيكي المعلوماتي المُمل.


فإذا تتبعنا السرد التاريخي لعبد الله علي إبراهيم، سنجد أن للحزب الشيوعي في فترة عبد الخالق محجوب عدد من الخصائص

(هنا سأطلب من القارئ المُطَّلع على تجارب شيوعية محلية أخرى عقد مقارنة في ذهنه):

1. إنه حزب حركي. حسم أمره في مسألة التربية (بإعتبارها سابقة للحركة أو الفعل) وجعلها تابعة للفعل. فتجد الحزب يتحدث بأريحية أنه استبصر ب"عموميات الماركسية". فلا غضاضة أن لا تقرأ كل رأس المال أو كل ما كتبه لينين طالما أنك سائر رغم ذلك في درب النظرية تخلقها وترجع للموجود منها كلما احتجت لتحسم صراعاتك الداخلية أو العقبات في الخارج. وهذا في رأيي تحرر ضروري من أسطورة قراءة كل شيء كتبه ماركس، لا يستطيع العقل المستلَب بهذا الشكل قراءة ماركس. وستجد أن النظرية والمكتوب منها في أدبيات الحزب أصبح بمرور الوقت كثيرا (هو نفسه الآن صعب الإلمام الكامل به).


هنا سأقول شيئاً طريفاً: كلَّما تجاوز الشباب السودانيون من رفاقي الحزب الشيوعي في تحليلهم لتاريخ السودان، اتهمتهم بأنهم يعتقدون في تعبير غايتري سبيفاك بـ"أن التابع لا يمكن أن يتكلم"، لأن هذا التفسير الوحيد لتجاهل التابع الذي تكلم، بل وتكلم كلاماً كثيراً! هنالك أوراق المؤتمرات المختلفة، والكتب عن تاريخ النقابات وهنالك إن تركنا كل ذلك عبد الله علي إبراهيم.


2 . حزب وطني. حسم الحزب الشيوعي مسألة العلاقة بالاتحاد السوفيتي باعتبارها علاقة رفاقية وليست عبارة سلطة وتابع. وجرَّ ذلك على عبد الخالق محجوب كثيراً من العناء مع الاستالينية (دعنا لا نخلط، عبد الخالق كان قارئاً متعاطفاً يمكن القول مع بعض أفكار استالين) نحن هنا نتحدث عن التبعية السياسية. يمكنك أن ترجع لورقة عبد الله علي ابراهيم The Sudan Communist Party: Bolshevize it O God!، والتي تحدث فيها عن الفرق بين الأحزاب التي كانت تسمي السوفيت ب "الكبار" وبين عبد الخالق وحزبه.


3 . حزب جمع بين الجذرية، رغم أنه امتحنَ فيها وفي حاملها الأول "الاسم" كثيراً، و الواقعية. لم يتخلَّ الحزب عن نظرته "للحل النهائي" في شكل المجتمع الشيوعي، نازع الملكية الفردية، المجتمع الآخر. ولكنه مع ذلك ظلَّ وفاقياً للواقع قابلاً بلا كثير جزع قوانينَه. ولذلك لم تحدثْ للحزب عزلةٌ كاملة عن المجتمع وظل فاعلاً فيه رغم أننا نتحدث عن مجتمع طائفي ومتديّن بصورة كثيفة، والطائفية والإسلاميون خلقوا للحزب مناخاً خانقاً، إلا أنَّه وبمناورات وتنازلات ومساومات ومقاومة تمكَّن من تثبيتِ نفسه والنّمو.


4 . حزب ديمقراطي. وهذه لها وزنها عندي. فنقد الاستالينية المتأخر، والذي أصبح نقداً فلسفياً مكتملاً، نقد فكرة الديمقراطية المركزية لم يكنِ السائد في اليسار في أيام نشأة الحزب الشيوعي السوداني. وتمكنَ الشُّيوعيون من اختيار الطريق البرلماني رغم فهمهم لمسألة الديمقراطية البرجوازية، كان دليل قدرة على التفكير الجدلي الذي لا يرى الشيء بصورة أُحادية إما ديمقراطية برجوازية أو دولة الحزب الواحد. مثل أغلب الأحزاب الشيوعية والقومية. بل يرى حقيقة أن الديمقراطية البرجوازية هي في نفس الوقت حامل ممكن لديكتاتورية الطبقة العاملة. فأنت يمكن أن تأتي للديمقراطية ظاناً أن الملكية حق أساسي، لا يمكن إلغاؤه ديمقراطيا. وبذلك تكون ديمقراطياً برجوازياً ترى في الحقوق الأساسية شيئاً ميتافيزيقياً مقدساً لأنك تتملك. ويمكن أن تأتي للديمقراطية وأنت ترى أن أمام قرار الشعب الديمقراطي لا توجد أي مطلقات أو تهويمات. وبذلك تنزع عن المالك ملكيته بنوع من العنف الذي هو جزء أصيل من الفعل الديمقراطي. كما يقول عبد الله علي إبراهيم، فعندما يُحمِّل الناقدون المتعجلون للحزب، وِزرَ الشموليات الشيوعية فهُم يتعاملون مع شيء مُتخيل فالحزب نبذ الشمولية ولم يرتكبها منذ البداية (رفض الحزب كذلك السبيل الماوي المسلح). ما يمكنني قوله، ولأنني لست مُطلعاً بدقَّة على كل التجارب الأخرى، هو أن هذه الأسس أدت لنجاح للتجربة، بمقياس النمو والتطور والقدرة على التأثير، دام 25 عاماً. وانتهى بأخطاء ذاتية لكن كذلك بعنف خارجي صارم. وهذا يؤهلها لأن تكون مدرسة يجب استعادتها.


ج. كان مدخلي للينين حالة يأس. إذا كنت ترى العالم من منظور الليبرالي الراغب في الديمقراطية وحل المشاكل الصغيرة لبلدك، فأنت أمام خيارين إما أن تحول الفعل السياسي لمصلحة خاصة (لأن ذلك كل ما يمكن أن تحصل عليه) أو تدخل في حالة يأس كاملة. تخيل لو كان الأثرياء في فرنسا قبل الثورة الفرنسية يرون الواقع جدلياً؟ ما كان بإمكانهم التمتع بالثروة التي امتلكوها، لأنهم سيرون المقصلة في شراب النبيذ الفاخر. بالمقابل فإن الفقراء لأنهم كذلك عندنا لا يرون الواقع جدلياً فإنهم يدخلون في حالة يأس. النظرة المادية الفجة ترى أنه ليس هنالك سوى الأجساد واللغات. وإن كان ذلك صحيحا فما يجب أن يحدث هو التوقعات المالية والاستراتيجية لمراكز الدراسات. وهي توقعات من شاكلة أن الفقر سينخفض في أفريقيا بنسبة 5% خلال 10 سنوات. إلا أنه، مثلا، هنالك الماوية.


فأنا ذهبت أقرأ مقالات متفرِّقة للينين، ووجدتُ عنده واقعاً جديداً. مثلا مقاله "المهمة الديمقراطية للبروليتاريا الثورية"، تجد في المقال الآن بدلاً عن الواقع المكون من كل متسق (مجتمع/دولة/معارضة/حكومة/تاريخ) كل هذه الأشياء تنقسم لقسمين، شقين، في حالة حركة. والتقسيمات التي هي تقسيمات ظاهرية (حكومة/معارضة)، (شمولية/ديقراطية) تظهر أنها تقسيمات كاذبة، فالتقسيم الحقيقي هي (معارضة/معارضة)، (ديمقراطية/ديمقراطية) كل واحدة منقسمة داخليا بخط التصنيف الطبقي.


هذا التغيير الشكلي البسيط الذي فتحه لينين غيَّر بالنسبة لي النظرة للواقع. وهو كان بداية وعياً بسيطاً بالماركسية طورتُه مع سلافوي جيجاك. وسلافوي بدوره هو في رأيي من أميز المتفاعلين مع لينين، وعبره عرفت الكثير عن لينين (لينين كان يكتب ككاتب سياسي معاصر، فيصعب جداً قراءة أغلب كتابته لأنها محصورة في إطار إما الرد على شيء محدد أو تحليل واقع محلي، فيما عدا كتبه النظرية الكبيرة مثل "المادية والتحليل الإمبريقي").


يركز جيجاك على قراءة ذهنية لينين حول الحتمية أعتقد في كتابه "موضوع الأيديولوجيا السامي"، ويحلل بصورة مفصلة رسائله مع الروائي ماكسيم غوركي والتي يقوم جيجاك عبرها بنقد عدم قدرة لينين على رؤية إمكانية حدوث غير الحتمي. هذا في الجزء السلبي، أما مثلا موقف لينين من المسألة الأوكرانية والذي هو موقف تقدمي ماركسي من قضية ثقافية، إثنية، يشرحه جيجاك في مقالات بصورة جيدة، وهو كان مهما بالنسبة لي كسوداني؛ تُمثّل المسألة العِرْقيَّة نقطة محورية في وعيي. وبالتأكيد حتى من الناحية الرمزية، بدون التفاصيل الدقيقة، فإن حدث قيام لينين بتحويل نظرية اجتماعية لإستراتيجية سياسية هو نوع الأشياء التي أعتقد أننا فقدنا الإيمان بفعاليتها، ويجب أن نكون جميعا لينينيين بهذا المعنى.


لا أعتقد أن لينين يمثّل بالنسبة لي أكثر مما كتبته في الأعلى. حتى على صعيد الرغبة في القراءة والاهتمام الذوقي أجد نفسي أكثر اهتماماً بقراءة آلان باديو أو حتى جورجيو أغامبن.


5. مَزجاً بين السُّؤالين السَّابقين، هل انتقلنا من مستوى ثقافوي مفادُه: إنّ السودان بلدٌ طرَفيّ لن يأتي بجديد وليس جديراً به سوى "هؤلاء" أي الإسلاميين، إلى مستوى أكثر عمومية من "إطراء السودان كلّ السودان" إطراءٌ هُويّاتي في جوهره، التضامن السّمج بتعبير عامر محسن، والاحتفاء بأي خبر يأتي من ذلك البلد "ذي الشعب الطّيب" لأنّه جاء بما هو غير متوقّع أو نمطي، بمعنى آخر: إنّ موضوع التَضَامُن كَسَرَ عقدة ذنب دفينة يَكُنُّها المُتضامِن في نفسه، وفي مُحيطِه المُحمَّل بقيم الازدراء والعنصرية؟ والحديث هنا عربي – عربي، ما تقييمُكَ لمثل هذا؟


دعنا ننتقل بهذا السؤال لمستوى أعلى. أو مستوى آخر. ألا تلاحظ بؤس المستوى الذي نتحرك به؟ المشكلة ما عادت قابلة للتفكير فيها بأسئلة الهوية. هذا النوع من التفكير بات يبدو لدرجة ما جنونياً. دعني أقل لك مثلا: أليس الإماراتيون الذين يتصرفون في السودان، وليبيا، ومصر، ولبنان، جيبوتي، وأثيوبيا، والصومال، كبربريين محتلين جدد. يتصرفون مثل المغول في بغداد، أو حتى إذا شئت الفضائيين في أفلام الخيال العلمي عندما يغزون الأرض. يأتون لبلد عندهم فيه مصلحة صغيرة ويدمرونه بالكامل عبر خلق أشياء مثل الجنجويد وتمويل الحرب الأهلية في ليبيا إلخ. أليس هؤلاء الناس عربا؟ أعتقد لا شك في هذه الحقيقة. إلا أنه ما بات يفصلهم عن عامر محسن أصبح مثل الشيء اللانهائي. وهو عربي كذلك. وهم عرب ولكنهم يستغلون أعداداً لا نهائية من العمال الأجانب في ظروف عبودية يقشعر لها البدن. وهؤلاء العرب هم عرقياً وثقافياً أقرب ما يكونون لجيرانهم اليمنيين، واليمن إحدى مراكز الحضارة العربية ولكنها اليوم مدمرة بصورة محزنة من قبل هؤلاء الإماراتيين والسعوديين. فإن كان هنالك من ما يزال يفكر بأسلوب المركز والهامش وهو ليس فرداً في أسرة آل سعود فهو مجنون. خاصة إن كان عراقيا أو سوريا.


الشيء الذي تراه اليوم هو وصول الإمبراطورية للحظة تحويل قوى إقليمية إلى فاشيات مادية فجة. وقاسية. وهذا خطر وجودي على الجميع. نحن رأينا كيف تمارس هذه الفاشية العنف وتشجع عليه وترعاه في 6 أو 7 أقطار في نفس الوقت الآن. ما يجب رؤيته هو أن كل منطقة مواجهة ضد الشمولية وضد النخب الثرية هي مركز به رفاق لنا، حتى وإن لم نعرف ماهي عاصمة بلدهم، هذه التفاصيل لا تهم. وعملية يجب أن تضع أي مجموعة تقدمية في بلد ما تصوراً عن كيفية مساندة المجموعة التقدمية في البلد الآخر، لأن الحرب الطبقية تحولت منذ فترة طويلة إلى حرب مفتوحة على الجميع ومن نفس الجهات (نفس البرامج الإسعافية التي تُعرَض على لبنان تعرض على السودان ومن نفس الجهات)، علينا أن نحبَّ ثقافتنا وهويتنا ولكنْ أن نتحررَ منها في نفس الوقت لنرى شيئا أكبر، الآن هو مهدد مشترك، غداً يمكن أن يصبح مشروعا مشتركا. خارج إطار القومية.


6. تحدَّثتَ في أكثر من مناسبة عن شبح انقلاب عسكري، يقودُه المكوّن العسكري في المَجلس السيّادي ضد المدنيين، أو بمعنى بزوغ طبعة سودانيّة من عبدالفتّاح السيسي، أما زالتْ هذه التخوّفات في محلّها؟

أ. خاصة أنّ تحولات كبرى على الدور الإقليمي لم تطرأ: فالسودان ما انفكَّ مشاركاً في حرب السعودية ضد الشعب اليمني.

ب. على الصعيد الداخلي يتنامى خطابٌ متقوقع سودانياً (النّور حمد نموذجاً) وتبريره الفج للتطبيع مع إسرائيل.

ج. يمكن إضافة بعض الأحداث لما سبق: كاعتقال معمر موسى والطيب مصطفى بحجّة "إزالة التمكين"،

د. وتعويم خطابات استقطابية ما بين العلمانية والإسلام السياسي، من شأنها وأد الحياة السياسية عندما تصوّبُ نحوَ ما يُسمّى دعائيّاً بـ"الكيزان" في الظاهر، لكنَّ هدفها أوسع من ذلك بكثير، كاغتيال حضور وصدقية الآخرين بالبروباغندا والمزاودة.


الغريب في الانقلاب العسكري في السودان هو أن الكل يتوقعه منذ اليوم الأول. وأنا واحد منهم. الأرقام لا تكذب. يمتلك الجيش الآن 80% من الإقتصاد. وهو لن يترك هذه الثروة وسيقوّض الديمقراطية. ما حدث في المقابل هو أنه ربما لا يحتاج الجيش للانقلاب على نخبة لا ترغب أصلاً في الديمقراطية. يمكنني أن أطيل في ثقافة نخبتنا التي تريد دائما عقد تفاهمات فوقية تبقيها في السلطة إلى الأبد، وأنَّ الجيش ربّما وجد وبصورة سريعة بديلا للمؤتمر الوطني. لكن هذا كله لا يهم.


ما أودُّ التركيز عليه، ونحن في معرض حديث أشعر أنه بغرض التفكير في سبل فهم الواقع من أجل الفعل فيه، هو أنه يمكن النظر للعملية الحالية من منظورين: الأول هو منظور أحزاب الوسط، مثل حزب المؤتمر السوداني أو أشخاص مثل عضو المجلس السيادي التعايشي، وهو منظور الحل في الدولة التنموية القائمة على الاستثمار الأجنبي. ويقول هذا الحل بوقف الحرب، والديمقراطية، ثم الانفتاح الاقتصادي مع نظام حماية اجتماعي. وتدريجياً تقول هذه السردية تتدفق الاستثمارات ويبدأ تراكم رأس المال عندنا ونصبح دولة بها طرق وجسور جديدة. ربما مثل السعودية. الشاهد في الأمر أن هذا الأمر لم يحدث في أي مكان من قبل. هم يتهموننا عادة بالتفكير اليوتوبي ثم يضعون هكذا خطة جريئة حالمة.


المنظور الآخر الذي أراه أنا، هو أن هذه العملية برمتها عبارة عن طلقة بداية. التخلص من عنف الدولة المباشر وتحييد آليات العنف الأخرى، حتى يتسنَّى لنا رؤية المشكلة الحقيقية وهي أننا نتعامل مع مشكلة دولية على أنها مشكلة محلية. وأن يبدأ تصور جديد للمشروع الوطني على أنه مشروع بامتدادات جيوسياسية، يهدف لتفاوض جديد مع النظام العالمي، بما يشمله ذلك من عمليات التسليح والمواجهات الاقتصادية والتحالفات الإقليمية وتهديد المركز العالمي بأن آلام الشعوب المحلية ستصله. لكنك لا يمكن أن تفعل ذلك وأنت مواجه برجل أمن يسعى لاعتقالك وتعذيبك. فرؤيتي للمشروع الديمقراطي تأتي في كونه مرحلة هدنة مع المستبد المحلي حتى يتسنى لنا التحضير للتعامل مع المستبد الحقيقي. لذلك أنا أفضّلُ التفاهمات المعقدة داخل نخبتنا مثل اتفاق السلام الحالي (والديمقراطية الشكلية التي ربما ستأتي عبره) على الانقلاب الكامل الذي يعيدنا 30 عاماً أخرى للوراء.

ويجب كذلك أن يفهم أن كل هذه المعادلة هي ربما خطأ. ربما التحضير للخطوة التالية لا يتطلب نجاح الخطوة الديمقراطية. ما لايمكننا بالقطع فعله هو الاستمرار في محاولة حل المشكلة الدولية في إطار محلي.


7. سعى المجلس السِّيادي بمكونيه العسكري والمدني نحو فتح صفحة جديدة عنوانها السلام، ويبدو أنّ عبارة "السلام سَمِح" باتَت شعار المرحلة، خاصة بعد الإعلان عن اتفاق جوبا للسلام، ثم زيارة وفود ستّ حركات مسلحة ساحة الحرية (الخضراء سابقاً) وسط العاصمة. لكن في غمرة هذه الأجواء جاء توقيع السودان لاتفاق التطبيع مع إسرائيل، برأيك هل تمّ استغلال هذا الجو السّمح لتمرير سلام من نوع آخر "سلام كَعْب"؟ أم أنّ عملية الابتزاز التي خضع لها السودان (رفع العقوبات والدعم المالي مقابل التطبيع) كانت أكبر ولا مجال لمقاومتها؟


ليس هنالك عملية ابتزاز. النخبة السودانية اليسارية حزمت أمرها منذ فترة في تعريف نفسها بأنها "ضد كل ما هو إسلامي"، "أنتي-كوز" نحن نقول. وأنا سمعت كلامها وحبها للتطبيع قبل أن يفكر فيه ترمب بفترة طويلة. تبرير الأمر بالابتزاز هو لخداع الناس. هذه النخبة لأسباب ثقافية استعمارية معروفة هي نخبة تكره نفسها وشعبها بصورة عميقة. ومحزنة. ومسألة التطبيع يجب فهمها في هذا الإطار. نفس الشخص الذي يتكلم عن "الحضارة الغربية" وكأنها شيء خيالي بينما هي تبدي البربرية في التاريخ (راجع مثلا أساليب التعذيب الهولندية في أفريقيا، أو ما فعله البلجيكيون في الكونغو، أو ما فعله الأوروبيون بالهنود الحمر) نفسه سيتكلم عن إسرائيل الديمقراطية، وعن كيف باع الفلسطينيون أرضهم. إنه ليس ابتزازاً، هذه الطغمة المنبتَّة عن كل أصل عبَّرت عن نفسها بكل حرية. ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك المُطبِّع نفسه، أثناء ما كان الناس في شرق السودان يقتل بعضهم بعضاً كان يقوم بمحادثة فيديو مع عدد من المنظمات الغربية وهو فَرِح للغاية (مع أنه ما من رئيس دولة يسعد بلقاء مع منظمات مجتمع مدني ثانوية) لكن هذه هي الأزمة في الاستعمار الثقافي. أما العسكريّين طبعاً فالتطبيع مع إسرائيل هو بوابتهم للحكم. مع أن مثل هذه المساومة تُهدّد الجيش كمؤسسة وطنية بصورة جدية.


أما بالنسبة للسلام السَّمح، بين الفصائل والحكومة، فهنا دعني أقول أولاً إنّه سَمِحٌ فعلاً، لأنّ هنالك أعداد كبيرة جداً من السودانيين كُتبتْ عليهم وطأةُ العيش في حرب مستمرة لفترة طويلة واضطُّروا للنزوح واللجوء. هل تتخيل ما يعني أن تكون نازحاً؟ المشكلة هي أن هذه الاتفاقية لن تأتي بالسلام. لأنها تمنح البعض سلطات دائمة في بلد شكل فيه حمل السلاح على أي سلطة دائمة. وبالمناسبة وعودة لسؤالك، فاتفاقية السلام وعملية الارتهان للخارج ممثلة في العلاقة المشبوهة مع الإمارات وإسرائيل كلها تمثِّلُ كُلًّاً لسلسلة واحدة. تسمع الفرقاء يشكرون الإمارات على "رعايتها للسلام" وهي نفسها تدفع للحركات التي رعت اتفاقَهم ليحاربوا بجانب حفتر في ليبيا.


8. مقابل ذلك السّعي وتبني السيادي شعار السلام، شهدنا مؤخراً انسحابات من الحكومة الانتقالية، كان أبرزها انسحاب الحزب الشيوعي (كما أعلن انسحابه من ائتلاف قحت) وذلك إثرَ التعديلات التي نالت من الوثيقة الدستورية الموقَّعة في آب 2019، هل كانت تلك الصّيغة هي حصانة الثورة أصلاً كما صُوّرَت حينها، وصورة ناجي الأصم وهو يُلقي البيان كادتْ تُؤَيْقَن؟ لماذا تُقْدِمُ قوّة سياسية تقدّمية كالشيوعي على مثل تلك الخطوة الآن، إذا كان الطرف الآخر يُشيع أجواءً إيجابية حول السّلام الداخلي واليد الممدودة؟


الإجابة هي لأن الحزب الشيوعي حزب وطني. قد تبدو إجابة بسيطة ولكن يمكنك أن ترجع لمقال في النيويورك تايمز بتاريخ 26 أبريل 2019 يتحدث عن زيارة ياسر عرمان وخمس قيادات مدنية وعسكرية للإمارات للتفاكر في الشأن السوداني. هنالك لقاء لا يمكنني تأكيد صحته بصورة جازمة يذكر فيه ياسر عرمان أسماء هذه القيادات ومن بينها قيادات في حزب الأمة والمؤتمر السوداني وحركات مسلحة. هنالك أحزاب مدنية انتهازية تسعى للسلطة، وهنالك حركات ميدانياً وضعها ضعيف، والاثنان يقومان بعملية استقواء بالإقليم، وطبعا هذا كرت له وزنه في هكذا لحظة هشة. وهذه القوى المسنودة من الخارج باتت تصنع المشهد. والحزب الشيوعي بهذه المعايير موقفه بات ضعيفاً داخل التحالف الحاكم. وهذا وضعَه في موقف صعب فقرّر الخروج. من هذا المنطلق أنا أدعم قرار الحزب.

أما الثورة ومشروعها الوطني فهو في حالة ضعف عموماً لضبابية الرؤيا وغياب القيادة (الخلافات الداخلية في تجمع المهنيين واختياره الذوبان في الحرية والتغيير أبعدته من الشارع) ولذلك نرى هذا التمدد للانتهازية والعمالة. لكنَّ الوضع سائل ويمكن أن نرى غداً المحتمين بالإمارات منبوذين بسبب مواقفهم الرديئة.


9. أخيراً، لم ينقطع نشاطُك ما بين دعم الثورة ولجان الأحياء عام 2019، ونقصد هنا الدعم المادي كتنظيم صناديق التبرُّعات وما إلى ذلك في المُغْتَرَب، وليس الدعم النظري والاشتباك النقدي فقط من خلال الكتابة والتوجيه، فرأيناكَ تواصلُ ذات الاهتمام والنشاط في مواجهة وباء كورونا 2020، إنّما بوصفك طبيباً هذه المرة. هل لك أن تحدّثنا عن واقع التّحديات التي تنتظر بلداً كالسودان سبقَ أن واجهَ أزمات مماثلة مع الأمراض السّارية والمُعدية: الكوليرا الذي هددَ العاصمة 2017، وحمّى الشيكنغونيا 2018 شرقي البلاد؟


شكراً على ذكركم لتجربتنا (كنت واحداً من حوالي 10 اشخاص أدرنا غرفة دعم لجان المقاومة)، وأنا في الحقيقة فخور بها (طبعاً كنت سأكون فخوراً أكثر لو امتلكت شجاعة الوجود في بلدي مع الناس) لأنني أرى أنها تجربة تفتحُ مساحة استعمال طاقاتنا كسودانيين بعيداً عن الفواصل المتخيلة التي ذللتها التكنولوجيا. مثلا كنت في تجربة أخرى أحاول أن أخلق مجموعة دعم تقني سودانية جميع أعضائها خارج السودان لدعم حركة اجتماعية في الداخل. الزمن الذي يتطلب الوجود الفيزيائي للجميع في الداخل ولَّى وبات بإمكان أي من العمال التقنيين أو الإعلاميين أو المصميين أن يدعم حراكاً في بلد بعيد دعماً مهماً جداً استراتيجياً. أحيانا أشعر أننا لم نطور هذا المنظور بعد.


بالنسبة للكورونا فهي في الحقيقة مرض بغيض. جاءنا نحنُ السّودانيين في وقت حرج وصعب وعقَّد حياتنا. وحدثت كذلك فياضانات قبل أن تعود الكورونا من جديد. وكأنه لا يكفينا طاعون واحد اسمه حميدتي.


أتمنَّى أن يستجيبَ الناس للإرشادات الصحية. وأعلم أن السلطة ستستعمل الأمراض ككروت سياسية لإلهاء الناس وتمرير أشياء كما يحدث دائما. نعم أنت محق السودان مؤخرا كان له نصيب وافر من الأوبئة، والسودانيون عندهم مثل يقول: "البتجي من السماء بتحملا الواطا". أي ما ينزل من السماء تتقبله الأرض بصدر رحب. لدى السودانيين قدرةٌ غريبة على الرّضا.



 

- مَسْرد الشَّخصيات والتَّجمعات حسبَ ظهورها:


حسن الترابي: ولد الترابي سنة 1932 في مدينة كسلا شرقي السودان وأسس بعد عام 1985 الجبهة الإسلامية القومية ( الإخوان المسلمين)، شغل عدة مناصب بعد ثورة الإنقاذ، قبل أن يرْئِس حزب المؤتمر الشعبي، توفي في مستشفى رويال كير الخرطوم إثر وعكة صحية مفاجئة يوم 5 مارس 2016.

 

الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي: توفي أثناء الإعداد لهذا الحوار، في مستشفى في الإمارات، وهو من مواليد (25 ديسمبر 1935) رئيس حكومة السودان فترتي (1966 -1967 و 1986 - 1989) سياسي ومفكر سوداني وإمام الأنصار ورئيس حزب الأمة. ولد بالعباسية بأم درمان. جده الأكبر هو محمد أحمد المهدي القائد السوداني الذي أسس الدعوة والثورة المهدية في السودان.

 

عمر حسن أحمد البشير (1 يناير 1944)، رئيس جمهورية السودان السابق (1989 - 2019)، ورئيس حزب المؤتمر الوطني، وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري على الحكومة المنتخبة برئاسة الصادق المهدي، يقبع حالياً في سجن كوبر بحري.

 

إلييتش راميريز سانشيز والمعروف باسمه الحركي كارلوس ولقبته أجهزة الأمن والمخابرات كارلوس الثعلب من مواليد 12 أكتوبر 1949م ولد لأسرة فنزويلية ثرية ودرس المرحلة الجامعية في موسكو قبل أن ينضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. شن هجمات في جميع أنحاء أوروبا لأكثر من عقدين قبل اعتقاله في السودان عام 1994.

يقطن حاليًا تحت المراقبة والحراسة المشددة بسجن لو سانتي الفرنسي ويسمح له تحت شروط عسيرة مقابلة أهله ومشاهدة التلفاز.

 

د.جون قرنق (23 يونيو 1945 - 30 يوليو 2005) زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، والنائب الأول السابق لرئيس الجمهورية في السودان قبل الانفصال ورئيس حكومة جنوب السودان ولد قرنق عام 1945 في جونقلي بالسودان لأسرة ميسورة من قبيلة الدينكا وتوفى في 30 يوليو عام 2005 م حين تحطمت مروحيته عندما كان عائدًا من أوغندا.

 

سلفا كير الزعيم الجديد للحركة الشعبية لتحرير السودان، من مواليد ولاية بحر الغزال في 1951 ومن قبيلة الدينكا. ثارت الإشاعات منذ العام 1998 حول خلافه مع جون قرنق وبأنه كان يخطط لانقلاب داخل الحركة الشعبية واعتقال قائده قرنق. ويعد سلفا كير من المتشددين داخل الحركة، وكان مؤيدًا قويًا لخيار الانفصال عن الحكومة المركزية باعتباره حلًا أمثل للجنوب.

 

رياك مشار نائب رئيس جمهورية جنوب السودان سابقاً ولد سنة 1953 في ولاية الوحدة وهو من قبيلة النوير ويشغل هذا المنصب من يوليو 2011 بعد الاستقلال مباشرة، وهو من مؤسسي الحركة الشعبية لتحرير السودان ويدين بالمسيحية الإنجيلية. قام في منتصف ديسمبر 2013 بمحاولة انقلابية فاشلة ضد غريمه سلفا كير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان، تفجر على إثرها نزاع قبلي بين الدينكا والنوير.

 

قوات الدعم السريع: مليشيات شبه عسكرية مشكّلة ومكّونة من مليشيات الجنجويد التي كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية خلال

الحرب في دارفور. تتمّ إدارة قوات الدعم السريع من قِبل جهاز المخابرات والأمن الوطني وهذا الأخير يقبعُ تحت قيادة القوات المسلحة السودانية. تأتمرُ قوات الدعم السريع بأمرِ محمد حمدان دقلو المعروف أيضًا باسمِ حميدتي الذي برزَ بعدَ سقوط نظام البشير وصارَ في وقتٍ لاحقٍ نائب رئيس المجلس العسكري.

 

قوى إعلان الحرية والتغيير: مكوّنات سياسيّة سودانية تتألف من تجمّع المهنيين، الجبهة الثورية وتحالف قوى الإجماع الوطني وكذا التجمع الاتحادي المُعارِض. تأسّست قوى الحرية في كانون الثاني/يناير 2019 خِلال الاحتجاجات السودانية 2018-2019، حيثُ قامت هذه «المُنظمة» بصياغة «إعلان الحرية والتغيير» و«ميثاق الحرية والتغيير» الذي دعا إلى إقالة الرئيس عمر البشير من السلطة وهو ما حدث بعد عدة أشهر من الاحتجاج

 

تَجمّع المهنيين السودانيين: جمعية تضمّ 17 نقابة سودانية مختلفة؛ تأسّست في تشرين الأول/أكتوبر 2012 لكنّها لم تُسجّل رسميًا حينها بسببِ الإجراءات الحكومية الصارمة ضدّ النقابات قبل أن تُصبح رسميّة في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2016 بعد تحالفٍ بين لجنة أطباء السودان المركزية، شبكة الصحفيين السودانيين وتحالف المحاميين الديمقراطيين. في كانون الأول/ديسمبر 2018؛ دعا تجمّع المهنيين الحكومة السودانية إلى الرفعِ من الحد الأدنى للأجور وتحسين الوضعيّة الاقتصادية للشعب ثمّ تطوّرت الأمور بعدما شاركَ التجمع في الاحتجاجات في مدينة عطبرة ضد ارتفاع تكلفة المعيشة؛ قبل أن يلعب دورًا بارزًا في الاحتجاجات ضد حكومة عمر البشير خلال عام 2019.

 

الفريق إبراهيم عبود (26 أكتوبر 1900 - 8 سبتمبر 1983)، رئيس جمهورية السودان ورئيس الوزراء السوداني للفترة(1958-1964 م). قاد أول انقلاب عسكري بالسودان في نوفمبر 1958 م وكان انقلابه في الحقيقة استلامًا للسلطة من رئيس وزرائها آنذاك عبد الله خليل، وبارك القادة الدينيون لأكبر جماعتين دينيتين آنذاك انقلابه: السيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار، والسيد علي الميرغني زعيم طائفة الختمية. ولكن انخرط في معارضته معظم الأحزاب السودانية وقاد المعارضة السيد الصديق المهدي رئيس حزب الأمة.

 

جعفر محمد النميري (26 أبريل1930 - 30 مايو 2009)، الرئيس الرابع لجمهورية السودان خلال الفترة من 25 مايو 1969 إلى 6 أبريل 1985. في صبيحة يوم 25 مايو 1969م بثت إذاعة أم درمان بياناً للعقيد أركان حرب جعفر محمد النميري معلناً استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة في البلاد. أعلن نميري ما أسماه "بالثورة القضائية" و"العدالة الناجزة" وتمثل ذلك في إصدار عدد من القوانين الجديدة تم نشر نصوصها للعامة بالصحف المحلية ووصل عددها إلى 13 قانون أبرزها قانون العقوبات الذي اشتمل على العقوبات الحدية، وهكذا ولدت التشريعات الإسلامية التي عرفت بقوانين الشريعة الإسلامية عند مؤيديها، أو بقوانين سبتمبر 1983 / أيلول عند معارضيها.

 

عبد الخالق محجوب (1927 - 1971) قيادي بارز في الحركة الشيوعية العربية والسودانية أعدمه النميري بعد انقلاب فاشل قاده هاشم عطا، رفض الهرب من البلاد حيث قدم اقتراح بأن يلجأ إلى سفارة ألمانيا الشرقية معللاً ذلك بأن رسالته الأساسية هي نشر الوعي بين صفوف الجماهير ومحاربة العسكرتاريا وإقامة الديمقراطية في السودان واختبأ لمدة 4 أيام قبل أن يسلّم نفسه لوقف المجازر التي كانت ترتكب في صفوف الشيوعيين السودانيين. ليتم إعدامه على يد جعفر نميري إثر محاكمة صورية حولها عبد الخالق إلى محاكمة للنظام.

 

محمود محمد طه مفكر ومؤلف وسياسي سوداني (1909-1985). أسس مع آخرين الحزب الجمهوري السوداني عام 1945 كحزب سياسي يدعو لإستقلال السودان عن بريطانيا والنظام الجمهوري وبعد اعتكاف طويل خرج منه في أكتوبر 1951 أعلن مجموعة من الأفكار الدينية والسياسية سمى مجموعها بالفكرة الجمهورية. أخذ الكثير من العلماء مختلفي المذاهب الكثير على الفكرة الجمهورية وعارضوها ورماه بعضهم بالردة عن الإسلام ونشر الأفكار الحلولية، من خلال ما يعرف برسالة الإسلام الثانية، وحكم بالرة مرتين: الأولى أواخر الستينيات، والثانية التي أعدم فيها يناير 1985 في أواخر عهد الرئيس جعفر نميري. عُرف بين أتباعه ومحبيه بلقب (الأستاذ) . ما زال الحزب الجمهوري ينشر فكره وما زال معارضوه ينشرون الكتب والفتاوي المضادة.

 

عبد الله علي إبراهيم مفكر ومؤرخ وكاتب وأكاديمي سوداني جمع في اهتماماته الإبداعية بين القصة والمسرح والصحافة. أستاذ لتاريخ أفريقيا والإسلام في جامعة ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية بشعبة التاريخ التي انضم إلى هيئة تدريسها في العام 1994. ترشح عام 2010 لانتخابات الرئاسة السودانية. انتخب أخيرا رئيسا لاتحاد الكتّاب السودانيين للفترة من (2012-2014).

أهم مؤلفاته: (الماركسية ومسألة اللغة في السودان)،

(الرق في السودان: نحو أنثربولجيا الخبر)

(الشريعة والحداثة)

(صدأ الفكر السياسي السوداني)

 

أبكر آدم اسماعيل كاتب وروائي سوداني، من مواليد ريف الدلنج بولاية جنوب كردفان، درس الابتدائية في الدلنج ودرس الثانوية في الخرطوم في اتحاد المعلمين، كان يعمل كعامل بناء ولكنه استطاع رغم ذلك أن يدخل الجامعة، درس طب الأسنان بجامعة الخرطوم، بدأ دراسته بالمسائل المتعلقة بالبحوث والأفكار من الجامعة، حيث بدأ كتابة الشعر والقصة القصيرة والمقالات. مارس العمل السياسي بجامعة الخرطوم من خلال انتمائه لحركة الطلاب المستقلين، كتب جدلية المركز والهامش وأوراق دراسية حول قضايا السودان. ونشط في العمل السياسي والثقافي، وتعرض في كتاباته لقضايا الهامش ومشكلات الثقافة السودانية، كُلِّف في العام 2008 بمعهد التدريب السياسي والقيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى العام 2014م.

 

الخاتم عدلان ولد بقرية أم دكة الجعليين بقلب الجزيرة عام 1948 وتلقى تعليمه بالمدينة عرب ومدني الثانوية وكلية الآداب جامعة الخرطوم حيث تخرج من قسم الفلسفة ببكالوريوس الشرف في الآداب الدرجة الثانية القسم الأول التي كانت تؤهله لكي يعين معيداً بجامعة الخرطوم. التحق الخاتم عدلان بالحزب الشيوعي عام 1964 واستقال منه في عام 1994 في مؤتمر صحفي.

ووضح في ورقة استقالته التي قدمها في مؤتمر صحفي شهير بلندن أسباب استقالته وناقشها في متسويين تناولهما وهما الأول: مستوي النظرية الماركسية والثاني: برامج وممارسة ومواقف الحزب الشيوعي السوداني حيث خلص إلي انهيار المشروع الماركسي للتغيير الاجتماعي وفشل الثورة البرولتارية لأسباب تمثلت في انفجار ثورة العلم والتقنية، والازدياد الهائل في إنتاجية العمل الإنساني، كما انتقال الإنتاجية من اليد إلي الدماغ.

 

الطيب صالح أديب وروائي سوداني، عمل في الإذاعة البريطانية، وبعدها انتقل إلى قطر ليتسلم منصب مدير عام وكالة الأخبار والإعلام القطرية، كتب روايته الأشهر موسم الهجرة إلى الشمال عام 1966 وقد ترجمت خلال عدة سنواتٍ لاحقة إلى الإنجليزية وبعدها إلى أكثر من 30 لغة. توفي الطيب صالح في 18شباط/ فبراير عام 2009 عن عمر يناهز 80 عامًا بعد معاناته من فشل كلوي في مشفى لندن،

 

محمد إبراهيم نُـقُد من مواليد مدينة القطينة (1930 م - 22 مارس 2012) زعيم سياسي سوداني. أصبح سكرتيراً عاماً للحزب الشيوعي السوداني عقب اعدام عبد الخالق محجوب في عام 1971 م ثم اختفى عن الأنظار لأكثر من 12 عاماً هرباً من نظام نميري حتى انتفاضة أبريل 1985 م. توفي محمد إبراهيم نقد في يوم 22 مارس 2012 م في لندن.

 

عبد الفتاح البرهان (مواليد 11 يوليو 1960 في قرية قندتو بولاية نهر النيل؛ شمال السودان)؛ سياسي وعسكري سوداني، يرأس حاليًا المجلس السيادي السوداني، وهو أعلى منصب سياسي في السودان.

 

عبد الله آدم حمدوك (من مواليد الأوّل من كانون الثاني/يناير 1956) هو رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في السودان والأمين العام السابق للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة. عملَ كخبيرٍ اقتصادي وخبيرٍ في مجال إصلاح القطاع العام، والحوكمة، والاندماج الإقليمي وإدارة الموارد وإدارة الأنظمة الديموقراطية والمساعدة الانتخابية.

Comments


bottom of page