top of page
صورة الكاتبشادي روحانا

ثربانتس والعرب: «دون كيخوتِ» مترجمةً

مادة لـ: شادي روحانا

تر: علاء بريك هنيدي



نُشِرَت هذه الترجمة بدايةً على موقع مدى مصر. أُلقِيَ هذا النص في معهد العلوم الإنسانية (جامعة كاليفورنيا: سانتا كروز) يوم الثاني والعشرين من مايو 2019. تجدون النص بالإنجليزية منشورًا على موقع «ختم السلطان». الترجمة منشورة بإذن المؤلف.


توطئة


تتناولُ القصةُ التي أوشِكُ أن أُخبِرَكم بها تاريخَ – أو بالأحرى، la historia، التي تعني بالإسبانية كلًا من قصةٍ وتاريخ- ترجمةِ رواية ثربانتس «El ingenioso hidalgo don Quijote de la Mancha» ـ[1] إلى العربية.


قبل أسبوعين من الآن، وبعد أنْ فرغتُ من كتابةِ هذه الفقرة الأولى في حجرتي في المكسيك العاصمة، شرعتُ أقرؤها بصوتٍ عالٍ لنفسي لأتبيَّنَ كيف ستبدو لكم. لكن ما إنْ وصلتُ إلى كلمة Quixote، آنذاك في المكسيك العاصمة، وكيف كُتِبَت بالإنكليزية -Q U I X O T E-، قاطعَ قراءتي صمتُ السؤال التالي: كيف أنطق لكم، بالإنجليزية، اسم فارسنا صاحب الشهرة العالمية؟ هل سأنطقهُ، هنا في سانتا كروز، دون كيهوتِ، كما يفعل بعض أصدقائي الأمريكيين الشماليين مع صوت الـ«ـهاء» في المنتصف، أم سأنطقهُ بالصيغة الإنجليزية دون كْويكْسوتِ، بالطريقة التي ما زالَ يستخدمُها، ويا للدهشة، العديدُ من متحدّثي الإنجليزية في بريطانيا؟ [2]

الآن، وأسوةً بولع ثربانتس في رواية قصةٍ داخل قصة، لدي قصة أخرى لأرويها تدور حول معضلةٍ شائعة يصطدم بها القراء العرب والإنجليز حين ينطقون اسم don Quijote. على سبيل المثال، على القارئ الإنجليزي الإجابة على سؤال أيُّ نطقٍ إنجليزي أَصَح للكلمة الإسبانية Quijote: أهي الصيغة الإنجليزية كْويكْسوتِ، أم كيهوتِ مع صوت الـ«ـهاء»؟


الحال أنَّ المرء ليظنَّن كْويكْسوتِ نطقًا ملحونًا، ولعله أشبه بما يلقيه مثقفٌ من مزاحٍ هازئ إزاء النطق المغلوط لاسم don Quijote، في حين دون كيهوتِ مع صوت الـ«ـهاء» أصوَب لقربها من لغة ثربانتس.


بيد أنَّ ثمَّة صفة بعينها في الإنجليزية أتذكر أنّني سمعتها أثناء دراستي الجامعية هنا في الولايات المتحدة، صفةٌ إنجليزية شأنها شأن أي كلمة إنجليزية أخرى ذات أصلٍ لاتيني أو فرنسي أو جرماني أو سلتي أو عربي أو يديشيّ أو نواتليّ أو تاينويّ، ولعل بعضكم قد استخدمها، أقلَّه لمرةٍ واحدة، عند وصف الآخرين أو نفسه: أتحدث بالطبع عن الصفة الإنجليزية quixotic (كْويكْسوتِك).


بحسب قاموس ميريام-وِبستر، فكلمة quixotic تعني «غير عملي أو فاشل بصورةٍ خرقاء ولا سيما عند السعي وراء المُثُل العليا». يرجع أصل هذه الصفة، بطبيعة الحال، إلى الترجمات الإنجليزية لـ Don Quixote، أنجز أولها توماس شِلتون من دبلن ونُشِرَت في لندن عام 1612 [3].


إذًا، ما اسمُ بارعنا don Quijote of la Mancha بالإنجليزية؟ أهو دون كيهوتِ بلفظهِ الأقرب إلى حدٍ ما للمنطوق الإسباني، أم دون كْويكْسوتِ تلك الشخصية الروائية الكْويكْسوتِكية التي تركت، عبر الترجمة، إرثًا لغويًا لا يَحول في الإنجليزية؟ أهو دون كيهوتِ، هذا الاسم الذي يطالب القارئ، أو المستمع، الإنجليزي على الدوام بتذكُّر أنهـ/ـا يـ/تقرأ، أو يـ/تستمع إلى، ترجمة من لسانٍ أجنبي (الإسباني في حالتنا هذه)؟ أو دون كْويكْسوتِ، تلك الشخصية الروائية من البلاد الإسبانية والتي أورثَت اللغة الإنجليزية صفةً معينة؟


لكن اسمحوا لي بالعودة إلى قصتنا حول تاريخ الترجمات العربية لـ Don Quixote، والتي أجدني قد قصصتها عليكم بالفعل، إذْ لدينا في اللغة العربية الحديثة، شأن الإنجليزية الحديثة، اسمَان نستخدمهما للإحالةِ إلى فارسنا الجوال، هما دون كيشوت ودون كيخوتِ. وعلى غرارِ الاسمَين الإنجليزيَين (دون كْويكْسوتِ ودون كيهوتِ)، فالتمييزُ بين الاسمَين العربيَين، كيشوت وكيخوتِ، ليس محضَ مسألة لسانياتٍ بينوية أو تفضيلاتٍ صوتية أو نقلٍ صوتي transliteration، إنما مسألةٌ تتطلَّبُ منا أن نأخذَ في حسباننا كيفية تداخلِ قضايا كالسياسة والتراث الأدبي والإرث اللغوي والحس التاريخي والهوية القومية واحدتها بالأخرى؛ مسألةٌ تدعونا إلى التأملِ فيما يحدثُ حينَ تترجَم القصصُ من لغةٍ إلى أخرى.


وفضلًا عما سبق، ثمّة جانب محدد لقصة ترجمات «دون كيخوتِ» إلى العربية يسمح لنا بالتعمقَ أكثر في الفكرِ العربي الحديث والممارسات الأدبية، فمن خلال لغتها وشخصياتها وجغرافيتها وما تدعوه مارجِت فرينك «مأدبة الأصوات/fiesta de voces»ـ[4]، تُطالِب رواية «دون كيخوتِ» القراءَ العرب -لا مترجمي الأدب فحسب- ببذلِ التركيز والاهتمام بما يظهرُ من أطلالِ ما بَقيَ في الأراضي الإسبانية بعَيدَ سقوطِ واحدةٍ من أروعِ فتراتهم التاريخية المُتخيَّلة: الأندلس.


لقد نُشِرَ الجزء الأول من«دون كيخوتِ» بعد 113 عامًا على سقوط إمارة غرناطة النصرية في 1492، آخر بقعةٍ إسلامية تتمتع بالحكم الذاتي فيما صار يعرف لاحقًا بإسبانيا. في 1605، تصوِّر الرواية تداعيات سقوط الأندلس، وتقيم الدليل على أنَّه وإنْ كانت حروب الاسترداد قد بلغت منتهاها -«استرداد» إسبانيا من العرب-، إلّا أنَّ قصة اللغة العربية والعرب في شبه الجزيرة الإيبرية لم تنتهِ بعد.


وعلى لسان المؤرخ المصري والمختص بالتاريخ الأندلسي مؤنس حسين، في مقدمته لإحدى ترجمات «دون كيخوتِ» إلى العربية في 1957:

«مَن يجهلُ ثربانتس يجهلُ جوهرَ إسبانيا،… وقيمةَ التراثِ الإسلامي ووزنِه فيها… فالعقل الذي أتى بهذا الكائن المفرد [أي، عقل ثربانتس] لم يكن إسبانيًا خالصًا ولا غربيًا خالصًا، بل عقلٌ مُطَعَّم بخصائصَ شرقية، بعضها عربي، خلَّفَت في الوجدان الإسباني آثارًا لا تمحى [5].»


إذًا، ما هذه «الآثار التي لا تمحى»، والتي يذكرها مؤنس وخلَّفتها الأندلس في الوجدان الإسباني، وكيف تُرجِمَت، بعد أزيد من 300 سنة، إلى العربية الحديثة؟


ظهور سيدي حامد بن الأيلي


لنفتح صفحات الجزء الأول من الرواية المنشورة في 1605 على الفصل الثامن. باختصار، يشتبك دون كيخوتِ في مبارزةٍ مع بشكونشيّ حيث كلاهما قد شهَرَ سيفه وعلى وشك شق الآخر إلى نصفين. غير أنَّ راوي قصتنا يقطع المعركة عند هذا الموضع ليقول:

«لكن آفة هذا كله هي أنَّ المؤلف عند هذا الموضع ترك المعركة غامضة معلقة، معتذرًا بأنَّه لم يجد شيئًا مكتوبًا يتصل بأعمال دون كيخوتِ المجيدة أكثر مما رآه [6]


بعبارةٍ أخرى، لقد انتهت القصة لنقص المادة الأرشيفية. لكن قصتنا لم تنتهِ ههنا، ولم نزَل نستشعر ثِقَل الكتاب بين أيدينا، وكل ما علينا فعله أنْ نقلِب الصفحة إلى الفصل التاسع:


يبدأ الفصل التاسع براوي دون كيخوت، وهو بطبيعة الحال ليس ثربانتس، يخبرنا بأنّه ذات يوم كان يسير في درب القناة في طليطلة، وهو سوق، كما يذكِّرُنا فرانثيسكو ماركيث بيانوبيا، حيث «الإرث الإنساني للماضي الساميّ لم يتلاشَ بعد» بالرغم من سقوط الأندلس قبل قرنٍ من الزمان[7].


يُبصِرُ الراوي صبيًا يبيع بعض كراساتٍ قديمة إلى تاجر أقمشةٍ حريرية. وإذْ يجدها مكتوبةً بالعربية، يجول بناظريه بحثًا عن مورسكي[8] (تشير الكلمة إلى مَن بقي من المسلمين في ما كان يُعرَف بالأندلس بعد التحوّل إلى المسيحية) يجيد العربية والإسبانية، ولم يجد مشقةً في العثور عليه. ولم يتأخر الراوي عن إضافة أنَّه «لو بحث عن مترجمٍ من لغةٍ أفضل وأقدم لأمكنه العثور على واحدٍ»[9]، يقصد بهذا العثور على مترجمٍ يجيد العبرية والإسبانية.

ولم يكد يقرأ المورسكي بضعة أسطر من الكراسة حتى استغرق في الضحك. فسأله الراوي عن «السبب في هذا الضحك؟» ليجيبه المورسكي: «دلثنيا دل توبوسو هذه، التي يرد ذكرها كثيرًا في هذه القصة، يقال إنَّها أفضل مَن يُملِّح الخنازير في إقليم المنتشا كله»[10]. يخبرنا الراوي أنَّه قد أخذته الحيرة والدهشة، إذْ خطر له أنَّ هذه الأوراق العربية قد تحوي تاريخ دون كيخوتِ. وعلى إثر هذا، حثَّ المورسكي ليقرأ له الكراسة من أولها. تخبرنا الرواية أنَّ المورسكي أخذ «يترجم من العربية إلى الإسبانية» قائلًا: «تاريخ دون كيخوتِ دلامنتشا، تأليف سيدي حامد بن الأيلي المؤرخ العربي»[11]. «بكثيرٍ من الحذر» يخفي راوينا غبطته، ليبتاع من الصبي هذه الكراسات بنصف ريال فقط، بعد أن انتزعها من بين يدَي تاجر الأقمشة الحريرية[12].


الآن، ما سيرد لاحقًا في كتاب دون كيخوتِ الذي بين أيدينا، يخبرنا الراوي، ليس إلا نقلًا أمينًا لما ترجمه له المورسكي من العربية إلى الإسبانية من كراسة سيدي حامد بن الأيلي لقاءَ «خمسين رطلًا من الزبيب وأربع كيلات من الدقيق»[13].

كما ذكر الروائي والمفكر الإسباني خوان جويتسولو (1931-2017)، صاحب جائرة ثربانتس للعام 2014، وقد ذكرها عدة مرات، فحقيقة أنَّ القصة التي صارت الرواية الأشهر في اللغة الإسبانية قد قدَّمها مؤلفها على أنَّها ترجمة من العربية إلى الإسبانية أنجزها مورسكي من كراسةٍ كتبها مؤرخٌ عربي، ليست محض «نزوةِ من نزوات ميجيل دي ثربانتس»[14]. كما أنَّها ليست محض سخرية من عديد «الكراسات الموجودة» والمتداولة زمن ثربانتس والتي دار حول مصداقيتها جدل ونقاش[15]. والأهم من ذلك، أنَّها ليست محض إلماحةٍ أدبية إلى كيف تدَّعي روايات الفروسية الرومانسية -المولّع بها دون كيخوتِ- بأنَّها ترجمات من الإغريقية واللاتينية والإنكليزية وحتى العربية[16].


الحق أنَّ كل هذا صحيح: إذْ كان ثربانتس كاتبًا صاحب نزوات وأهواء؛ وكان مفتونًا بالنقاشات «التاريخية» الجارية في زمنه وانتشار الكراسات المزيفة؛ وتنضح روايته «دون كيخوتِ» بإلماحاتٍ أدبية من فاتحتها إلى خاتمتها.


بيد أنَّ اختراع المؤرخ العربي سيدي حامد بن الأيلي وصياغة كتابه بلغةٍ عربية لم يمضِ على إلغائها رسميًا في الأراضي الإسبانية كبير وقت، أمرٌ يتجاوز بحسب جويتيسولو: التندر أو مجرد النزول عند موضة العصر. في الواقع، إنَّه يشي بوجود حسٍ ملهم وعميق يتبدى على طول المشهدية الذهنية عند ثربانتس عن العلاقات المعقدة والمهووسة بالعالم المورسكي- العثماني، فضلًا عن افتتانه بالإسلام[17].


تبين قصة ثربانتس الشخصية استحالة عدم اكتراثه بماضي إسبانيا الأندلسي وبحاضر الصدام الأوروبي مع الإمبراطورية العثمانية والإسلام. فثربانتس، حسبما نعلم، كان جنديًا في صفوف العصبة المقدسة التي هزمت العثمانيين في موقعة الليبانتو البحرية في 1571، حيث أُصيبَت ذراعه اليسرى[18]. بعدها بأربع سنوات، كان ثربانتس وأخوه الأصغر، رودريجو، على متن سفينةٍ هاجمها قراصنةٌ عثمانيون واقتادوهما إلى مدينة الجزائر، حيث أمضى ميجيل خمس سنواتٍ في الأسر (أُطلِق سراح أخيه في وقت أبكر) [19]. وبعد إطلاق سراح ميجيل، قيل إنه عرض خدماته كجاسوس على الملك الإسباني فيليب الثاني خلال زيارةٍ «تجارية» قام بها العام 1580 [20] إلى وهران فيما يعرف اليوم بالجزائر[21].


بالإضافة إلى ذلك، عاش ثربانتس في إسبانيا حيث صار يُعرَف «المورو/Moros»، أو «المور/Moors» بالإنكليزية (كلمةٌ لا وجود لها في العربية)، ممن ظلوا في شبه الجزيرة الإيبرية بعد سقوط الأندلس في العام 1492 بالمصطلح التحقيري «المورسك»، في حين كان يُطلَق على اليهود الذين ظلوا مسمى «الكونفيرس». كان هؤلاء في الظاهر مسيحيين كاثوليك يتحدثون الإسبانية، في حين كان العديد منهم في السر -وأحيانًا ليس في السر، كما في حالة مترجمنا السائر بحريةٍ في قناة طليطلة- يجيدون الإسبانية والعربية، ويمارسون العقيدة الإسلامية، ولهم أن يضحكوا عند سماعهم أنَّ امرأةً تدعى دلثنيا «يقال إنَّها أفضل من يُملِّح الخنازير في إقليم المنتشا كله» – نكتةٌ فظّة لا يسعنا فهمها إلا بالإحالة إلى تحريم أكل لحم الخنزير عند الإسلام واليهودية، ما يبدو أنَّه ظل نافذًا بين مورسك إسبانيا الكاثوليكية.


عند نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر -قبل أنْ يُصدِر فيليب الثالث فرمان الطرد النهائي للمورسك من الأراضي الإسبانية-، عاش في إسبانيا أشخاصٌ يحملون أسماء على شاكلة عبد الكريم بن علي بيريث وابن قاسم بِراخانو وفرانثيسكو نونيث مولاي وخوان بيريث إبراهيم الطيب علي -أسماءٌ قد تبدو لنا اليوم «هجينًا» بين العربية والإسبانية، بيد أنَّها كانت محايدة في زمن ثربانتس[22]؛ وليس على المرء سوى «البحث» عنهم في الشوارع، كما فعل راوي دون كيخوتِ في الفصل التاسع الذي قرأناه للتو، ولم يكن من الشاق التعرف عليهم، وبالوسع حتى التعاقد معهم لأداء خدمات الترجمة[23].


ما يصفه خوان جويتيسولو بـ«افتتان ثربانتس بالإسلام» يسري على جميع أعمال ثربانتس (مسرحياته الثلاث التي تدور أحداثها في الجزائر مثلًا –حمامات الجزائر ومعاهدة الجزائر والسلطانة الجليلة– فضلًا عن «الرواية النموذجية/novela ejemplar» العاشق المتحرر).


لكن في «دون كيخوتِ» على وجه التحديد، يجد المرء، إلى جانب المؤرخ العربي سيدي حامد بن الأيلي والمترجم المورسكي مجهول الاسم، شخصياتٍ أخرى تتحدث العربية آتية من البلاد العربية أو الإسلامية وآخرين قد يكونون مسلمين أو يهود -بناءً على قرب هؤلاء من عيون وآذان أعوان محاكم التفتيش الذين يبثهم ثربانتس في صفحات روايته بانتظار أي زلةِ لسانٍ يأتي بها مورسكيّ أو كونفيرسيّ تفضح هويته الدينية الحقيقية.


لكن ما يبعث على الدهشة ويستحق منا الذكر أنَّنا ههنا نرى ثربانتس بدوره يمارس الترجمة عبر هذه الشخصيات وعبر بطله دون كيخوتِ.


خذ مثلًا شخصية للا ثريا، التي تمتد قصتها من الفصل التاسع والثلاثين إلى الحادي والأربعين من الجزء الأول. فبينما دون كيخوتِ وسنشو بنثا والحلاق والقسيس ودوروتيه ولوسنده وكردنيو ودون فيرنَندو جميعًا في فندق منتشا المشهور، إذْ بمسافرٍ يدخل«يدل ملبسه على أنَّه نصراني جاء حديثًا من بلاد المسلمين [و…] كانت معه امرأة تركب حمارًا. وتلبس زيًا مغربيًا وعليها خمارٌ يغطي كل وجهها، وعلى رأسها طاقية من الديباج المذهب، وتلبس مِلَفَّة[24] تغطيها من الرأس إلى القدمين[25]


حين سألت دوروتيه المسافر «هل هذه السيدة نصرانية أم مسلمة[26]؟» أجاب: «إنَّها مسلمة زيًا ومولدًا، لكنها في داخل روحها نصرانية صميمية»[27]. وحين سأله دون فرنَندو عن اسمها، أجاب «للا ثريا». لكنها وقد سمعت اسم «ثريا»، تجيب المرأة المُحجَّبة ممتعضةً: «لا، للا ثريا، ماريه، ماريه! […] ثريا ما كان شي[28]»[29]، لتؤكِّد على أنَّها مسيحية صادقة تدعى ماريه.


وليست الشخصيات العربية وحدها في «دون كيخوتِ» مَن يتحدث العربية، فاللغة الإسبانية نفسها -لغة ثربانتس وراويه وشخصيات الرواية، سواء المسيحيين القدامى أو الجدد- تغص بالأمثال العربية وأسماء الأماكن والكلمات العربية الدخيلة Arabismo: كلماتٌ إسبانية من أصلٍ عربي اصطُلِحَ عليها خلال السنوات التأسيسية للغة والهوية الإسبانية -سنوات الحرب والسلام مع الأندلس-، سواء شفاهيًا أو كتابةً، وصارت من اللغة الإسبانية شأنَّها شأن أي كلمةٍ أخرى من أصلٍ لاتيني أو إيبري أو قوطيّ غربي.


في الفصل السابع والستين من الجزء الثاني الصادر في العام 1615، نجد دون كيخوتِ نفسه يؤدي دور الإيتمولوجي اللغوي حين يشرح لحامل سلاحه، سنشو بنثا، وجود هذه الكلمات العربية الدخيلة في لسانهم الإسباني.


«بحق الله!» يقول دون كيخوتِ في واحدٍ من أوهامه بأن يصير راعيَ غنمٍ بعد واحدةٍ من هزائمه النكراء العديدة وقد أدرك أنَّ سلكه مسلك الفرسان لم يكن نوعًا من التنزه: «بحق الله! أي حياة سنحياها وكم سنعرف نغمات من الشبابات ومزامير القرب السموريات والطبول والزمارات والربابات ولو كان معنا أيضًا بعض بوقات [albogues-م]. فلن تعوزنا أية آلة موسيقية رعوية[30].»


فيسأله سنشو بنثا، كما في العديد من المرات السابقة، عن كلمةٍ لم يفهمها. يقول سنشو «وما هي albogues؟ إني لم أسمع بها أبدًا ولم أرها». بعد شرحه لحامل سلاحه معنى هذه الكلمة، من الكلمة العربية بوق، يلقي دون كيخوتِ على أسماعه محاضرةً:


«وهذا الاسم albogueعزيزي سنشو اسم عربي، شأنه شأن كل الألفاظ التي تبدأ بالحرفين (al) في اللغة الإسبانية مثل: almohaza, almorzar, alhombra, alguacil, alhucema, almacen, alcancia وما شابهها، وعددها أكثر قليلًا، وليس في لغتنا الإسبانية غير ثلاث كلمات عربية تنتهي بالحرف (I) هي: borcegui, zaquizami, maravedi أما الكلمتان Alheli and alfaqui فالبداية (al) والنهاية (I) يدلان على أنَّهما عربيتان.»


«عددها أكثر قليلًا» يقول دون كيخوت، في حين يخبرنا الفيلولوجي المكسيكي أنطونيو آلاتوري بأنَّ عدد الأسماء والصفات والأفعال ذات الأصل العربي في اللغة الإسبانية نحو أربعة آلاف[31]. ههنا نجد دون كيخوتِ يمدّنا بمسردٍ عن المفردات العربية في اللغة الإسبانية، مثلما يفعل المترجمون والكُتّاب في ملاحق كتبهم[32].


لا يقتصر الأمر على إسبانيا، فرواية «دون كيخوتِ» تعكس الواقعَ الأوروبي أوائل القرن السابع عشر حين كان المسلمون «المرآة التي يرى بها [الأوروبيون] انعكاس أنفسهم وعبرهم اكتسبوا الوعي بهويتهم»[33]. كان المسلم بمثابة الآخر لأوروبا القرن السابع عشر، «المُنافِس المَخُوف والمتخيَّل الذي ينبغي أنْ تُسقَط عليه أحقادُ [أوروبا] الدفينة وتخوفاتها وأحزانها وتطلعاتها -المنشودة والموؤدة»[34].


وهكذا، نجدُ في عالم ثربانتس الروائي العربَ والأتراك والمور والمورسك والمسلمين والمحمديين والهاجريين والساراسين من لحمٍ ودم وقد تفاوتت دقة تصويره لهم بين حالة وأخرى -كان هؤلاء جميعًا بمثابة الآخر الذي عرفه ثربانتس من قرب في موطنه الأم إسبانيا، وخلال فترة أسره في مدينة الجزائر وخلال خدمته العسكرية. لقد أُعجِب بهم وخَشِيَهم، قاتل ضدهم وجهًا لوجه في موقعة الليبانتو، خدَمَهم وجلدوه إبان أسره في الجزائر[35]، وقرأ عنهم في كتبٍ عن الإسلام والمسلمين كانت متداولة في إسبانيا وأوروبا آنذاك[36].


لكن بالنسبة لعرب القرن العشرين، كان الآخر المسلم والعربي عند ثربانتس «الذاتَ» من ماضٍ بعيد قطن خلاله العرب ما أمسى فيما بعد بلادًا أوروبية؛ وأطلال أندلسٍ طوباوية تاقوا إليها وتمنّوا بعث حياتها الثقافية والأدبية من جديد.


فكيف قرأ هؤلاء ذواتهم القديمة المُتخيَّلة والمركَّبة، الصورة المتعددة الأوجه التي ظهروا بها في عينَي ثربانتس، وترجموها «مجددًا» إلى لغتهم، اللغة العربية؟ أكانوا قادرين على إدراك أنفسهم عند ثربانتس، واستعادة حضورهم في«دون كيخوتِ»؟ وإذا كانت صورتهم في الرواية تختلف عن تصورهم لذاتهم القديمة، فهل عطفَ العرب على مراجعة: ماضيهم أو الرواية؟


دون كيشوت أو دون كيخوتِ


لكن قبل الخوض في ترجمات «دون كيخوتِ» إلى العربية، وكانت أولها، على حد علمي، قد أنجِزَت في مدينة تطوان منتصف القرن العشرين، تبتدئُ قصة دون كيخوتِ في المنطقة العربية قبل ترجمة الرواية.


فأول إحالةٍ نعرفها إلى «دون كيخوتِ» في المنطقة تأتينا من قرية تستور التونسية في 1637. إذْ كتب إبراهيم الطيب علي الطليطليّ، المعروف أيضًا بخوان بيريث الطليطليّ، بلغته الإسبانية عن زيارته في 1604، صحبة صديقٍ مسيحي، إلى مكتبةٍ في قلعة هِنارِس، مسقط رأس ميجيل دي ثربانتس. جرت هذه الزيارة قبل بضع سنوات من طرد الطيب علي، أو بيريث (إبراهيم، أو خوان)، ومعه آلاف المورسك من موطنه الإسباني بفعل فرمان الطرد الذي أصدره الملك فيليب الثالث في 1609. يخبرنا الطيب علي، أو بيريث، كيف أنَّ صديقه المسيحي مجهول الاسم قد تذمَّر أثناء وجودهما في المكتبة من أنَّه لا يتمكن من العثور على أيّ من روايات الفروسية الرومانسية التي كان يود شراءها. وصادف أنَّ طالبًا كان لحظتذاك في المكتبة وتناهت إليه شكوى الصديق المسيحي، فقال: «ها قد بُعِثَ من جديد دون كيخوتِ آخر!» [37]


كتب إبراهيم الطيب علي خوان بيريث من ملجئه التونسي بإسبانيةٍ ممتازة، لغته الأم. لكني لا أدري إلى أي درجة أجاد التحدث بالعربية: هل عرفها حين كان في إسبانيا؛ أم كان عليه تعلمها في منفاه التونسي؛ أم قصَرَ تواصله مع الناس، لبقية حياته، على مجتمع اللاجئين المورسك الناطقين بالإسبانية في تستور التونسية.

فيما يتعلق بالقراءة والكتابة بالعربية، يمكن الافتراض أنَّ خوان بيريث يعرف الحروف الأبجدية على الأقل شأنه شأن العديد من المورسك، كما تبيّن مخطوطات الأدب الأعجمي aljamiado الإسبانية لغةً والأبجدية العربية كتابةً. تتضمن هذه المخطوطات مذكرات وقصص ونصوصًا دينية وأشعار ووصفات طهو[38].


ماذا سيكون رأي إبراهيم الطيب علي في الطريقة التي تُرجِمَ بها اسم don Quijote إلى العربية في القرن العشرين؟ إذْ لفارسنا البارع، كما أسلفت في بداية حديثي، اسمَين في اللغة العربية: دون كيخوتِ ودون كيشوت. أيّ منهما سيجيزه يا ترى؟


أميلُ إلى الاعتقاد بأنَّه لن يواجه أي مشكلةٍ مع كليهما، وسيتقبَّلهما بالقدر ذاته. فقد أتاحت اللغة الإسبانية في زمن الطيب علي وثربانتس، قبل تأسيس الأكاديمية الملكية الإسبانية للغة، قدرًا معينًا من البراح اللغوي والتنويعات يفوق ما نعهده اليوم في زمن التوحيد اللغوي.



في الطبعة الأولى من «دون كيخوتِ» “Don Quixote”، الصادرة في 1605، يُكتَب الاسم، كما نرى، مثلما يُكتب في الإنجليزية اليوم: Q – U – I – X – O – T – E. وبناءً على منطقة القارئ أو المتحدث أو التهجئة الإسبانية، من شأن قراء روايتنا الأوائل أنْ ينطقوا عنوانها إما كيشوتِ أو كيخوتِ –كلاهما نطق صحيح آنذاك. لكن ما إنْ تأسست الأكاديمية الملكية الإسبانية للغة في 1713، وقرارها في العام 1815 بإلغاء استخدام حرف X، كحرفٍ يرمز إلى الصوت «خ»، صارت الطبعات الأحدث من الرواية تتحول نحو استخدام الحرف الإسباني خوتا J.


لكن في العربية الحديثة لا علاقة للتذبذب بين دون كيشوت ودون كيخوتِ بكيفية نطق اسم فارسنا الجوال في إسبانيا أوائل القرن السابع عشر، إنَّما بكيفية دخول هذه الرواية والشخصية في الآداب العربية في العصر الحديث قبل البدء في ترجمة ثربانتس أصلًا.


لعل المفكرين العرب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مفكري الحركة الأدبية التي باتت تعرف بالنهضة العربية، قد قرأوا رواية ثربانتس أو قرأوا عنها من خلال اللغات الأوروبية، الفرنسية بالدرجة الأولى، حيث تُرجِمَ دون كيخوتِ إلى دون كيشوت. على هذا النحو، ومن قبل أن تُترجَم «دون كيخوتِ»، كان المفكرون العرب يناقشون الرواية والشخصية ويقدمون التعليقات حولها والتحليلات ويحيطونها بالغرائبية والغموض، وقد أولى هؤلاء عنايةً خاصة بالظهور العربي والإسلامي في الرواية.


هكذا، في النصف الأول من القرن العشرين، وقبل أن تظهر الرواية بالعربية، نقرأ عند المصري طه حسين مثلًا، «عميد الأدب العربي» وخريج السوربون ووزير المعارف الأسبق في مصر والذي صار التعليم في عهده مجانيًا،:


«تمثل شخصية ألونسو كيخانو [كذا؛ يقصد دون كيخوتِ[39]] المثال الأرقى للآداب الإنسانية قاطبة وأسلوبها الأنصع؛ […] إنَّ إسبانيا قادرة على جمع مختلف عناصر الكونية الإنسانية وتوليفها [بسبب] روحها العربية، التي أورثتها أحاسيسها وملامحها[40]».


يبيّن هذا الاقتباس من طه حسين أنَّ العرب لم يكونوا بمنأى عن المقاربة الرومانسية، لـ «دون كيخوتِ»، والتي أوضحها أنطوني كلوز[41].


الحال أنَّ انتشار رواية «دون كيخوتِ» -أو بالأحرى دون كيشوت- في الآداب العربية قبل ترجمتها قد بلغ مبلغًا جعل تجاهل ترجماتها المستقبلية أمرًا متعذرًا[42].


هكذا، إذا ما تصفحنا كتالوج الذكرى المئوية الرابعة لصدور دون كيخوتِ في العام 2005، والتي نظمها عالميًا معهد ثربانتس التابع للحكومة الإسبانية، نقع على العناوين التالية في القسم العربي[43]:

1- دون كيخوته (منشورة في القاهرة 1965).

2- دون كيشوت (منشورة في بيروت 1999).

3- الشريف العبقري دون كيخوتي الشهير بين العرب باسم دون كيشوت (منشورة في القاهرة 2002).

4- دون كيخوت دي لا مانشا، وهذه الترجمة الأحدث وقد نشرَت في دمشق 2004.


ترجمات دون كيخوتِ


أعرفُ ثلاث ترجمات على الأقل غابت عن الكتالوج، وهذه ترجمات، كما سيقول عنها بورخِس، لم تحظَ بمباركة آلة الطباعة لكونها إما لم تُنشَر أو لم تكتمل أو حظيَت بمقروئية محدودة بين العرب. يمكن تقسيم هذه الترجمات الثلاث إلى ثلاث فئات: ترجمة تحت رعاية الأمم المتحدة؛ وترجمة تحت رعاية إدارة الحماية الإسبانية؛ وترجمة بمبادرة فردية.


يأتي المجهودان الأوليان اللذان نعرفهما من الجانب الآخر من مضيق جبل طارق، من المغرب العربي، إبان سنوات الحماية الإسبانية على شمال المغرب. فقد انتهى اللبناني نجيب أبو ملحم ونسيبه موسى عبود، اللذان وظفتهما إدارة الحماية الإسبانية بصفة أستاذ ومترجم في مدينة تطوان، من ترجمة الجزء الأول من «دون كيخوتِ» إلى العربية في العام 1948. أتت هذه الترجمة بتكليفٍ من اليونسكو، لكنها ولأسبابٍ مجهولة لم تنشر قط[44].

أتت الترجمة الثانية من تطوان أيضًا الواقعة تحت الحماية الإسبانية. فقد ترجم التهامي الوزاني، المؤرخ والروائي والسياسي والصحفي المغربي، الجزء الأول والفصول الأربعة عشر الأولى من الجزء الثاني من «دون كيخوتِ» بين 1951 و1966. والت ترجمته محفوظة في المكتبة العامة والمحفوظات لمدينة تطوان، بخط يده في تسعة دفاتر[45]، تنتظر القراءة والدراسة والتحرير والنشر. وعلى العكس من ترجمة عبود وأبو ملحم التي لم تبصر النور، فقد ظهر تلخيص لترجمة الوزاني بين ديسمبر 1951 ويناير 1952 على صفحات ثلاثة أعداد من جريدة الريف التطوانية، والتي كان الوزاني رئيس تحريرها.

طرحت جريدة الرّيف نفسها «جريدةً وطنية ثقافية حرة»، غير أنَّ قربها من السلطات الاستعمارية الإسبانية آنذاك لم يخفَ على أحد. لقد التقى مع الوزّاني في العام 1936 الكولونيل الإسباني خوان لويس بيجبدير، الذي كان آنذاك رئيسَ مصلحة شؤون السكان الأصليين في إدارة الحماية الإسبانية على شمال المغرب ومسؤولًا عن تجنيد المغاربة في جيش الجنرال فرانكو الإفريقي أثناء الحرب الأهلية الإسبانية. في ذاك العام أعلن الجنرال فرانكو انقلابه على الجمهورية الإسبانية، وأوصى بإنشاء جريدة عربية في مدينة تطوان، فكانت الرّيف[46].

كان اهتمام جريدة الريف بالأدب الإسباني في العصر الذهبي، بما في ذلك ترجمة «دون كيخوتِ» إلى العربية، يندرج إلى حدٍ ما ضمن المشروع الاستعماري للحماية الإسبانية، والذي كان على عكس المتوقع أشمل في نظرته إلى ماضي إسبانيا بالمقارنة مع نظرة اليسار الجمهوري. ففي الوقت الذي كان فيه الجنود والقادة السياسيون للجمهورية الإسبانية والجبهة الشعبية، خلال حربهم ضد الفاشية ولاستعادة الديمقراطية، يرددون أغانٍ معادية للأجانب ضد «الهمج» و«المور غير المتحضرين» من شمال المغرب -وكانوا يستندون على التراث الشعري والأدبي لأيام حرب الممالك المسيحية ضد الإمارات الأندلسية المسلمة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر-[47]، كان الجنرال فرانكو والفاشيون الإسبان أقل مقاومة إزاء الاعتراف بماضي إسبانيا المشترك مع رعاياها المغاربة المستعمَرين، ودعموا الترجمة العربية لروايةٍ مثل دون كيخوتِ بوصفه جزءًا من جهودهم الرامية لتجنيد الإنتلجنسيا المغربية في الحرب ضد الجمهوريين الإسبان والألوية الأممية.


أما بالنسبة إلى المحاولة الثالثة غير المكتملة لترجمة دون كيخوتِ إلى العربية، نعود إلى المشرق العربي حيث التفاعل السياسي والثقافي واللغوي مع إسبانيا أقل بكثير مقارنة ببلدان المغرب العربي؛ وحيث لم يكن لترجمة الوزّاني أي حاضنة؛ وحيث نشرت مكتبة الأنجلو المصرية في القاهرة أول ترجمة عربية لـ دون كيخوتِ في العام 1957. هذه الطبعة من دون كيخوتِ أنجز ترجمتها عبد العزيز الأهواني وكتب مقدمتها (التي اقتبسنا منها سلفًا) حسين مؤنس.


كان مؤنس والأهواني من بين أوائل الطلبة المصريين الحاصلين على منحة دراسية من الحكومتين المصرية والإسبانية لدراسة اللغة الإسبانية وآدابها والتاريخ الإسباني. كانت هذه السنوات سنوات الاستقلال العربي عن الحكم الاستعماري البريطاني والفرنسي، فيها سعت إسبانيا فرانكو إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول العربية كجزءٍ من جهودها الرامية لكسب الشرعية الدولية بعد حربها الأهلية[48].


لم تنشر مكتبة الأنجلو المصرية إلا النصف الأول من ترجمة الأهواني للجزء الأول من الرواية في العام 1957. لقد قيل بأنّه أنجز لاحقًا ترجمة الرواية بأكملها، لكن الناشر رفض نشر ما تبقى من الترجمة ما لم يعدِّل الأهواني أجزاء من النصوص رآها الناشر مسيئة للإسلام والعرب. يقال إن الأهواني قد مزَّق بحركة دون كيخوتية مخطوط ترجمته للرواية وألقى به في سلة المهملات[49] تعبيرًا منه عن احتجاجه.

فما هذه الأجزاء التي اعتُبِرَت مسيئةً للعرب والإسلام، وكيف عالجها المترجمون الآخرون؟


ترجمة عبد الرحمن بدوي، القاهرة 1965: أسماء الأماكن والكلمات العربية الدخيلة وتصنيف الهوية


لضيق الوقت هنا، سأقتصر على ترجمةٍ واحدة من الترجمات الواردة في كتالوج معهد ثربانتس، وهي ترجمة الوجودي المصري عبد الرحمن بدوي الصادرة في القاهرة 1965 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة المصرية.


تشكِّل هذه الترجمة أول ترجمة عربية كاملة ومنشورة لرواية «دون كيخوتِ» -حسبما نعلم-، والتي أضحت عملًا كلاسيكيًا ما زال يحظى بمقروئية واسعة ويُقتبَس منه ويجري تطويعه ليناسب وسائطَ أخرى (كالمسرح والمسلسلات التلفزيونية) [50] منذ القرن العشرين وإلى يومنا هذا.


يتمتع بدوي أيضًا بسمعةٍ حسنة بين المثقفين والقراء العرب اليوم بسبب نشاطه في الحركة المناهضة للاستعمار وأعماله الفلسفية والموسوعية، فضلاً عن مواجهته الشخصية لنظام معمر القذافي بصفته أستاذًا للفلسفة في الجامعة الليبية في بنغازي، ما أفضى إلى سجنه وترحيله.


يشير أنطوني كلوز إلى كيفية ظهور مقاربةٍ وجودية لـ «دون كيخوتِ» ضمن الفكر الإسباني إثر نشر كتاب أمريكو كاسترو إسبانيا وتاريخها España y su historia في العام 1948. وبالتبعية يلتزم بدوي، في مقدمته العامة لـ دون كيخوتِ، بهذا التيار الفلسفي واصفًا الرواية بأنَّها «تهكمية» و«وجودية»: حيث تمثل شخصية دون كيخوتِ بالنسبة لبدوي «روح الإنسان»، أما سنشو بنثا فيمثل «بدن الإنسان، هذا الرفيق الأصيل للروح»[51].


في هذا القسم من حديثي أود أن أعرض، وأعلق على، طريقة عبد الرحمن بدوي في إعادة إنتاج كلمات وعبارات باللغة العربية الحديثة أفرزها الوجود العربي-الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبرية، وقد قسمتها إلى خمس فئات: أسماء الأماكن؛ وأسماء الشخصيات؛ وكلمات وعبارت تظهر بالعربية بالأصل الإسباني؛ وتصنيف الهوية.


1. أسماء الأماكن

تمنح ترجمةُ «دون كيخوتِ» إلى العربية الحديثة مترجمها فرصة إعادة بناء جغرافيا الأندلس كما تبدو في التراث العربي الشفاهي والمكتوب. وكما نرى في هذا الجدول ، فبدوي «يعيد» إلى العربية أسماء الأماكن الإسبانية ذات الأصل العربي أو المُعرَّبة خلال الفترة الأندلسية.


بيد أنَّ هذه الطريقة في تعريب الجغرافيا الإسبانية قاصرة، وتثير اللبس حين يترجم بدوي الكلمة الإسبانية «Andalucía» إلى الأندلس، فهذه الكلمة تشير إلى منطقةٍ محددة في جنوب إسبانيا، أما الأندلس فتشير إلى كامل الفترة التاريخية والثقافية من الوجود العربي والإسلامي في شبه الجزيرة الإيبرية صاحبة الجغرافيا المتغيرة.


أما مصطلح الساحل البربري «Berbería»، وهو مصطلح أوروبي كان يستخدم في الإسبانية لوصف الساحل الشمالي لأفريقيا، فقد تُرجِم إلى «بلاد المغرب»، أي بلدان المغرب العربي. لئن قد يتطابق المصطلحان جغرافيًا، إلا أنَّ «بلاد المغرب» يفتقر إلى عنصر التهديد المنسوب لـ«الساحل البربري»، إذْ يحيلُ إلى القراصنة، حيث كان أكثرهم بربرًا اعتادوا اختطاف السفن الأوروبية.


2. أسماء الشخصيات

جميع الأسماء ذات الأصل العربي مُعرّبة. مع أنّ منها ما أتى من الرواية المروية قصة ابن السرّاج والحسناء شريفة Historia del Abencerraje y la hermosa Jarifa العائدة لمنتصف القرن السادس عشر، إلا أنَّ بدوي قد ترجم اسمَي Abencerraje وAbindarráez إلى أصلهما العربي: الأول إلى عائلة بني سراج الشهيرة والقوية في غرناطة خلال الفترة الأندلسية، والثاني إلى ابن إدريس.


في حالة الاسم Cide Hamete Benengeli، يطرح بدوي في حاشيةٍ إمكانيتين لترجمته: أولاهما فرضية أخصائي الدراسات الإسبانية خوسيه أنطونيو كونده القائلة بأنَّ Benengeli آتية من ابن الأيلي، في تلميحٍ حاذق من ثربانتس إلى نفسه؛ أما ثانيهما فرضية ميننديث بيلايو، حيث اقترح أنَّ «Benengeli» آتية من الكلمة الإسبانية berenjena «البرنجان – الباذنجان»، في إشارةٍ إلى نكتةٍ شعبية من زمن ثربانتس، تفيد بأنّ أبناء طليطلة -العديد منهم من أصول مسلمة أو يهودية- كانوا berenjeneros، أو «يجيدون بيع البرنجان-الباذنجان». في نهاية الأمر، يختار بدوي الخيار الأول ويشير إلى إمكانية أن يكون ثربانتس قد تعلم العربية خلال إقامته في مدينة الجزائر أسيرًا لخمس سنوات.


يُترجَم اسم Zoraida إلى ثريا، ولعل ثربانتس يحيل به إلى إيزابيل دي سوليس -امرأةٌ مسيحية من قشتالة أسلَمَت في غرناطة أواخر القرن الخامس عشر واتخذت من ثريا اسمًا لها.


أما اسم النبي محمَّد فلا يظهر أبدًا في الترجمة العربية. في المرة الأولى، تُحذَف الإشارة إليه كليًا من الترجمة العربية. أما في الثانية، تظهر كلمة النبي من دون الاسم محمَّد. وفضلًا عن ذلك، يُحذَفُ في المرة الأخيرة اتهام دون كيخوتِ للنبي محمَّد بأنَّه نبي «كاذب»، وتوضِح حاشية المترجم كيف أنَّه اضطر إلى حذف كلمةٍ معينة «أملاها التعصب الإجرامي» لذاك الزمن.


3. الكلمات العربية الدخيلة

تقدِّم هذه الكلمات دليلًا لغويًا حيًا على الحضور العربي -الإسلامي في الحياة اليومية والسياسية والاجتماعية والدينية لسكان شبه الجزيرة الإيبرية. وكما يقول أمريكو كاسترو: «لقد تلقفت الرومانسية الإسبانية الكلمات العربية من رحم حياتها هي، كشيءٍ يفرضه لا سلطة الحكّام [المسلمين]، بل واقع الحال»[52].


وبالتبعية، يختار بدوي إبراز هذه الكلمات للقارئ العربي من خلال حواشٍ تشرح أصلها، بما في ذلك حالاتٍ لا تتطابق فيها الكلمة الدخيلة بالإسبانية وجذرها العربي من الناحية الدلالية، كما في حالة alférez.


4. الكلمات العربية والعبارات

تقصّ الفصول من التاسع والثلاثين إلى الحادي والأربعين في الجزء الأول من الرواية قصةَ أسيرٍ مسيحي فر حديثًا من «بلاد المغرب»، ترافقه مسلمة-مسيحية تدعى ثريا-ماريه. في هذا الموضع من الرواية، الذي يلمح إلى تجربة ثربانتس كأسير في مدينة الجزائر، تَظهرُ كلمات وعبارات عربية مكتوبة بأحرفٍ لاتينية تقولها ثريا-ماريه والأسير والراوي. وردَت جميع هذه الكلمات بطبيعة الحال في الترجمة العربية -أحيانًا مع حاشيةٍ للمترجم-، وهي تدلَّ على أنّ لثربانتس بعض المعرفة باللغة العربية.


5. تصنيف الهوية

تُرجِمَت كلمة moro إلى «مسلم» و«مغربي» و«مراكشي» و«شخصٍ ليس من ديننا» وأحيانًا إلى «مورسكي». وبالنظر إلى غياب المقابل العربي، فقد أخذ المترجم حريته في استخدام مفرداتٍ مختلفة من شأنها الإشارة إلى العرب أو المسلمين، سواء القاطنين داخل شبه الجزيرة (المورسك) أو خارجها (المورو)، بما يتفق واللحظة التاريخية.


خاتمة

في الختام، يؤلف هذا العرض جزءًا من مشروعٍ بحثي يجري العمل عليه، وهو يتوسع في ثلاثة اتجاهات:

  1. لقد وقعت على المزيد من الطبعات العربية لـ «دون كيخوتِ»، آخرها طبعةٌ عثر عليها مؤخرًا أحد الأصدقاء في مكتبة الجامعة العبرية (يرجَّح أنَّها ترجِع لعائلةٍ فلسطينية من إحدى المدن الفلسطينية)، منشورة في القاهرة أوائل القرن العشرين[53]. ومع أنَّها ترجمة من الفرنسية، إلا أنَّ عنوانها «دون كيخوتِ»، ويوضِح المترجم، في ملاحظةٍ له، أنَّه اختار العنوان «الصحيح» لأنَّ «بالوسع نطق الأصل الإسباني -كما تَبيّنَ له- بصورة مثالية في العربية».

  2. أودّ أيضًا مراجعة مخطوط الوزاني في مكتبة تطوان العامة، وسأحاول الحصول على الترجمة الأخرى (ترجمة عبود وأبو ملحم) من حفيدة عبود في إسبانيا. سوف تتيح لنا مراجعة هذه المخطوطات مقارنة كيف تطورت النهضة العربية وكيف تطور مشروعها في خلق لغةٍ عربيةٍ حديثة، من خلال ممارسات الترجمة، في بلدان المشرق العربي والمغرب العربي. ثمَّة هيمنة للمشرق العربي على المغرب العربي في الحياة الثقافية والأدبية العربية. فكما أسلفت، كانت الترجمةُ محوريةً بالنسبة لـ النهضة العربية، ولأسباب استعمارية جلية (إذْ كانت سورية ومصر ولبنان وفلسطين والعراق مستعمراتٍ فرنسية وبريطانية)، من بين أسبابٍ أخرى، كان كُتَّاب النهضة المشرقيين على «دراية» أكبر بالإنجليزية والفرنسية. لكن في بلدان المغرب العربي، لا سيما المغرب، كان المغاربة على دراية أكبر بالإسبانية؛ لا لأنَّ إسبانيا احتلت شمال المغرب فحسب، بل أيضًا بسبب التاريخ المشترك بين «المورسك والمسيحيين» في الأندلس. فكيف جرى التعبير عن هذه الجينالوجيا المشتركة، المتخيّلة والحقيقية على السواء، من خلال ترجمة دون كيخوتِ؟

  3. ثمَّة أيضًا حضورًا غير مباشر للغة العربية في«دون كيخوتِ» لم أتطرق له، من قبيل أسلوب السرد وفن القَص… والتي عرض لها ثربانتس في الجزائر خلال أسره وفي موطنه إسبانيا. يمكن لمس هذا الحضور، فيما أعتقد، من واقع حساسية القارئ العربي الحديث إزاء ثربانتس بالرغم من قرون أربعة تفصل بينهما.

لقد قرأتُ «دون كيخوتِ» أولَ مرة في قاعة دراسية داخل كلية الفلسفة والآداب في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك قبل خمسِ سنوات خلَت. ففي سيمينارٍ تديره مارجِت فرينك، لم نقرأ إلا هذا الكتاب طوال فصلين دراسيين: كنا نلتقي مرتين أسبوعيًا، وقد قرأ كلٌّ منا فصلين من الرواية قراءةً صامتة في المنزل؛ وفي المحاضرة، كنا نناقش الفصلين ثم نقرأهما، مجددًا، بصوتٍ عالٍ لبعضنا البعض.


كانت هذه تجربةَ قراءةٍ أدائية متمعنة لـ«دون كيخوتِ»، ومن المرجح أنَّ قراءتها بهذه الطريقة، بصوتٍ عالٍ، يشابه طريقة قراءتها زمن ثربانتس (لا ينبغي لنا النسيان أنَّ ممارسة القراءة الانعزالية في صمت ممارسة حديثة) [54].


لم تكن قراءتنا متمعنة لأنَّنا قرأنا الرواية كلمة بكلمة فحسب، بل أيضًا لأنَّنا صادفنا لغةً حية تماثل اللغة المستخدمة في المكسيك إلى يومنا هذا: فالحواشي العديدة الواردة في طبعة الأكاديمية الملكية الإسبانية للغة التي كنا نقرأها -تريد أن تشرح للقراء المعاصرين معنى بعض المفردات المندثرة منذ أربعة قرون- لا حاجة إليها عند القراء في المكسيك، حيث ما تزال اللغة الإسبانية للقرن السابع عشر -وللأندلس إلى حدٍ ما- حية ترزق.


عند قراءتي لترجمات «دون كيخوتِ» العربية -أتحدث هنا بصفتي مترجمًا أدبيًا عربيًا له خبرة في قراءة الرواية في أمريكا اللاتينية-، استشعرتُ الفجوة الهائلة التي فرضها المترجمون الحديثون؛ أو بالأحرى فُرِضَت عليهم بفعل تلغيز دون كيخوتِ على مر السنين: روايةٌ جرى الإفراط في إضفاء الطابع الرومانسي والمثالي عليها تحت طائفة من التصنيفات (رومانسية القرن التاسع عشر والوجودية و«نقاء اللغة».. إلخ)، ما خلق صورة دون كيشوت بالعربية.


كذلك فُرِضَت الفجوة بين هذه الترجمات العربية ودون كيخوتِ بفعل الصورة المؤمثلة عن الأندلس في الفكر العربي باعتبارها فترة حكمٍ عربي «عادل» يدير التعايش بين المسيحيين والمسلمين واليهود. فهذه الصورة جعلت من العسير التمييزَ بين «المورو» و«المورسكي» مثلًا، كما رأينا في ترجمة بدوي.


أرى أنَّ من الضروري إنجاز ترجمة أخرى: ترجمة أدائية، شفاهية، تسمح بازدهار حساسية القص في لغةٍ عربيةٍ حديثة -كاللغة الإسبانية الحديثة المكتوبة والمنطوقة- يمكن لها أن تستفيد من اللغة العربية القديمة لتروي قصة دون كيخوتِ، لا دون كيشوت.

أما العبرة من هذه القصة (وأنا أختم هنا): أنَّه ما من عِبرة. لكن ورغم مما قلته: لكُم أنْ تتابعوا حياتكم دون قراءة «دون كيخوتِ»، غير أنَّكم لو قرأتموها فقد تجعلكم أسعد.

 

الهوامش

[1] – تختلف العناوين العربية لهذه الرواية بين مترجمٍ وآخر، وقد اخترنا هنا الاعتماد على ترجمة عبد الرحمن بدوي ومنها أخذنا الاقتباسات الواردة في متن هذه المادة وأثبتناها. (م)

[2] “Half of us don’t know how to use Don Quixote: Character tops list of literary names we struggle to pronounce correctly”, The Daily Mail 11 October 2015, https://www.dailymail.co.uk/news/article-3268851/Half-don-t-know-say-Don-Quixote-Character-tops-list-literary-names-struggle-pronounce-correctly.html.

[3] Podcast about quixotic, the Merriam-Webster dictionary: https://www.merriam-webster.com/dictionary/quixotic#h1.

[4] Frenk, Margit, Cuatro ensayos sobre el Quijote, México: FCE, 2013, pág. 21.

[5]– وردت في:

María de Jesús Viguera Molins’ “El Quijote arabizado”, in De Cervantes y el Islam. Actas del encuentro “Cervantes, el ‘Quijote’, lo moro, lo morisco y lo aljamiado, Nuria Martínez de Castilla y Rodolfo Gil Benumeya Grimau (eds.). Madrid: Sociedad Estatal de Conmemoraciones Culturales, pág. 341. (تُرجِم الاقتباس من الإسبانية إلى الإنجليزية).

[6] – ميجيل دي ثربانتس، تر. عبد الرحمن بدوي. دون كيخوته. (المدى: 2009). ط3. ص87.

[7] Márquez Villanueva, Francisco: Moros, moriscos y turcos de Cervantes. Ensayos críticos (Madrid: Bellatera, 2010), pág. 130.

[8] – تُشير الكلمة إلى مَن بقي من المسلمين في ما كان يُعرَف بالأندلس بعد التحوّل إلى المسيحية. (م)

[9] – ثربانتس، تر. بدوي. دون كيخوته. مصدر سبق ذكره. ص90. (الأقواس المعقوفة للمترجم)

[10] – المصدر السابق نفسه.

[11] – المصدر السابق نفسه.

[12] – المصدر السابق نفسه.

[13] – المصدر السابق نفسه، ص91.

[14] Juan Goytisolo: “Vicisitudes de mudejarismo: Juan Ruiz, Cervantes, Galdós”, in Crónicas sarracinas, Barcelona: Seix Barral, 1989, p. 58.

[15]– انظر:

Luce López-Baralt’s (in collaboration with Reem Iversen)’s: “The Granada Connection”, in “A zaga de tu huella”. La enseñanza de las lenguas semíticas en Salamanca en tiempos de san Juan de la Cruz, Madrid: Trotta, 2006.

[16]– مثل رواية “Lepolemo” لألونسو دي آلاثار الصادرة في 1521، والتي تدَّعي أنّها ترجمةُ أنجزها مؤلفها من كراسة عربية للمؤرخ العربي خرطون.

[17] Goytisolo, ibid.

[18] … “for the glory of the right,” as he would later write. While his left arm became paralyzed in war, it was outlived by the right in literature (in Viaje al Parnaso, I, 1614).

– … «لصالح مجد الذراع اليمنى»، كما سيكتبُ لاحقًا. لئن أضحت ذراعه اليسرى مشلولة في الحرب، فإنَّ يمين الأدب قد خلَّدته (في Viaje al Parnaso, I, 1614).

[19] Soler, Isabel: Miguel de Cervantes: los años de Argel, Barcelona: Acantilado, 2016.

[20] Sola, Emilio y José F. de la Peña: Cervantes y la Berbería: Cervantes, mundo turco-berberisco y servicios secretos en la época de Felipe II, México: FCE, 1996.

[21] Sola, Emilio y José F. de la Peña: Cervantes y la Berbería: Cervantes, mundo turco-berberisco y servicios secretos en la época de Felipe II, México: FCE, 1996.

[22] Alatorre, Antonio: Los 1001 años de la lengua española. Tercera edición, algo corregida y muy añadida, México: FCE, 2002.

[23]– «لم تكن الفروقات الإثنية من القوة بحيث تمكّن من التمييز بوضوح بين مجتمعَ المورسك ومجتمع المسيحيين القدامى، وإنْ كانت بعض القسمات تعتبر خاصة بهذه المجموعة، على عكس ما تشير إليه الأغاني الشعبية المورية المؤلفة في القرن السادس عشر». (Carrasco-Urgoiti, María-Soledad, The Moorish Novel, Boston: Twayne, 1976.

[24] – مِلَفَّة: كلمة عربية انتقلت إلى الإسبانية وهي تقابل اليوم كلمة (الملاية اللف). (الهامش نقلًا عن ثربانتس، تر.بدوي. دون كيخوته. مصدر سبق ذكره، ص409) (م)

[25] – ثربانتس، تر. بدوي. دون كيخوته. مصدر سبق ذكره، ص404-405.

[26] – يترجم بدوي كلمة “moor” إلى «مسلمة» هنا. (م)

[27] – المصدر السابق نفسه، ص405.

[28] – يستخدم ثربانتس كلمات وعبارات عربية من قبيل عبارة «ما كان شي» أعلاه، لكنه يوردها بأحرفٍ لاتينية. (م)

[29] – المصدر السابق نفسه.

[30] – المصدر السابق نفسه، ص1003.

[31] Los 1001 años de la lengua española, ibid.

[32]– لا أعتقد أنَّ إدراج كلمة “almorzar” في مسرد دون كيخوتِ، وهي كلمة ذات أصلٍ لاتيني، كان خطأ ارتكبه ثربانتس. لعل كان لها تأثيرًا فكاهي على قراء دون كيخوتِ آنذاك، على غرار ادعاء دون كيخوتِ بأنَّ الكلمات العربية الدخيلة (يطلق عليها «مورسك») قليلة العدد في اللغة الإسبانية –مرددًا الخطاب الكاثوليكي الرسمي بأنَّ العربية والإسلام قد تم استئصالهما من الأراضي الإسبانية–، الأمر الذي يعلم إسبانُ ذاك الزمن أنَّه كاذب. كما يبدو أيضًا أنَّ ثربانتس قد أراد، بإدخاله كلمة almorzar، تحدي معرفة قرائه بأصول لغتهم.

[33] Goytisolo, ibid., pág. 92.

[34] ibid.

[35]– بصدد ما تعرض له ثربانتس خلال أسره في مدينة الجزائر بين 1575 و1580 من عقوبات جراء محاولاته الأربع الفاشلة للهرب، انظر:

Isabel Soler’s Miguel de Cervantes: los años de Argel, ibid.

[36]– بصدد توفر الأدبيات عن الإسلام والأتراك في إسبانيا زمن ثربانتس انظر:

Hegyi, Ottamar’s Cervantes and the Turks: Historical Reality versus Literary Fiction in La Gran Sultana and El amante liberal, Newark: Juan de la Cuesta Hispanic Monographs, 1992.

[37]– حسبما يشير كاردياك فقد استخدم أوليفر آسين ملحوظة الطيب علي ليدافع عن إطروحته القائلة بإمكانية وجود طبعة من دون كيخوتِ ترجع إلى العام 1604.

Louis Cardaillac: Moriscos y cristianos. Un enfrentamiento polémico (1492-1640), México: FCE, 2004 (trans. Mercedes García Arenal).

[38] See López Baralt, ibid.

[39]– حسب فرينك لم يكن ألونسو كيخانو الاسم «الحقيقي» لكيخوتِ، بهذا الصدد انظر:

Marigt Frenk’s “Alonso Quijano no era su nombre” in Cuatro ensayos sobre el Quijote, ibid.

[40] In Martínez y Benumeya, segunda de portada, ibid.

[41] Anthony Close: La concepción romántica del Quijote, Barcelona: Crítica, 2005.

[42]– قدَّم الكبير أحمد فارس الشدياق عرضًا للرواية ولخّص أربع من مشاهدها باللغة العربية «تهورات دون كويكشوط»: انظر الجزء الأول من كنز الرغائب في منتجات الجوائب، منشور في أسطنبول 1288 للهجرة (1871/1872 للميلاد). أشكر أنطون شماس جزيل الشكر على هذه المعلومة المهمة وعلى تزويدي بعرض الشدياق و«ترجمته» لـ دون كيخوتِ.

[43] Catálogo en línea de la exhibición “Las traducciones del Quijote’, Instituto Cervantes, https://www.cervantes.es/quijote/catalogo.htm.

[44]– مراسلة شخصية مع ماجي بيانكور حفيدة موسى عبود، و

Rodríguez Sierra, Francisco M., “ضون كيخوطي في الريف: مشروع ترجمة بتطوان في ظل الحماية الإسبانية”, al-Andalus Magreb, Universidad de Cádiz, 2006.

[45] Rodríguez Sierra, ibid.

[46] Al-Jatib, Ibrahim, “Tuhami Wazzani: ¿Renacimiento cultural o etnografía?”, en Gonzalo Fernández Parrilla y Manuel C. Feria Garía (coord.): Orientalismo, exotismo y traducción, Cuenca: Ediciones de la Universidad de Castilla – La Mancha, 2000. pág. 143-150.

[47] Goytisolo, ibíd., pág. 37.

[48] Rodríguez Sierra, ibid.

[49]– مراسلة شخصية مع الكاتب المصري ماهر البطوطي (28/6/2015). كذلك أهدى سليمان العطار ترجمته رواية دون كيخوتِ في 2002 إلى الأهواني بهذه العبارات: «معلمي وأبي وروحي، والمترجم الأول لهذا العمل، وإن لم ينشر إلا نصف قسمه الأول رغم ترجمته العمل كاملًا. الجهل لدى الناشر دفعه إلى تمزيق بقية العمل ورفض نشره في ظل تعديلات الرقيب، الذي كان الناشر نفسه» (ص11).

[50]– على سبيل المثال، يقتبس محمود درويش في مذكراته ذاكرة للنسيان من هذه الترجمة.

[51] – ثربانتس، تر. بدوي. دون كيخوته. مصدر سبق ذكره، ص5.

[52] Américo Castro, España en su historia. Cristianos, moros y judíos. Barcelona: Crítica, 1983.

[53]– دون كيخوتي، تأليف الكاتب الاسپاني الشهير ميخائيل سرفانتس، عربه عن الفرنسية عبد القادر رشيد، المطبعة السلفية بمصر، القاهرة، ١٣٤١ (١٩٢٣ ميلادي).

[54] Margit Frenk: Entre la voz y el silencio. La lectura en tiempo de Cervantes. México: FCE, 2005.


Comentarios


bottom of page